رسالةٌ بلا قلمْ “من ديوان الشاعر عمر شبلي “نواعير على نهرٍ جاف”
رسالةٌ بلا قلمْ
لحاكمٍ غبي
لا يستطيع النُطْقَ والقراءةْ.
حينَ استوى كالموتِ ممتدّاً على أعمارِنا
أعلنَ عن مشروعِهِ التاسعِ والتسعينْ
وناوَلَ الناسَ الظلامَ والسَغَبْ
مَدَّ إلى أعمارِنا يديْه،
ليُكْمِلَ المِئةْ.
وقالَ في عَجَبْ:
إنْ لم تكن بطونُكم تَشبعُ من موائدِ السَغَبْ
أو عدمِ النوم على قارعة الطريق
والبحثِ في الميناء عن دماءِ من فقدْتُمْ،
وضِحْكِنا ذاكَ الذي نصبغُهُ أمامَكمْ
بالحزنِ والبُكاء،
فما الذي يمنعُكم من الهرَبْ.
قِمْصانُنا كَذِبْ،
نلبَسُها فوق دمٍ كَذِبْ
وكلُّ ما نَعِدُكمْ به كَذِبْ
يا سيّدي:
القهرُ في صدورِنا هو الذي يمنعنا من الهربْ.
والحقدُ في صدورنا هو الذي يمنعُنا من الهربْ.
وحبُّنا لأرضِنا هو الذي يمنعُنا من الهربْ.
لا بدَّ أن يطهوكُمُ الحقدُ، وأن تصيروا
لنارِهِ الحطبْ
يا سيِّدي،
ستهربون أنتمُ،
لا بدَّ من أن تهربوا.
أسئلةُ الجياع قد تناسلَتْ، وأدركَتْ
إنَّ الذي يطولُ من أعمارِكمْ
يَنقصُ من أعمارنا
يا سيّدي،
الجوعُ صارَ عارياً كالناس في بلادنا
ولم نعدْ بحاجةٍ لنُغلقَ الأبواب في المساء،
فاللصُّ لن يرى بها شيئاً لكي يسرقَهُ
صِرْنا سواءْ،
فَلْنَتَّحِدْ مع اللصوصِ اليومَ كيْ نَسرِقَكمْ.
وعندما نسرقُكم ستُدْرِكون من همُ اللصوص.
فاللصُّ من يظلُّ في تخمتِهِ يبحثُ عن مَزيد،
كأنّهُ جَهَنّمْ،
وغيرُهُ يغفو بلا عَشاءْ.
***
من أينَ يا وطنْ،
تبدأُ بالإيابْ؟
يسوعُ قد عاد إلى المغارةْ،
يبحثُ في مِزْوَدِهِ عن خبزِهِ
وخلفَهُ صِغارُ “بيتِ لحمْ”،
يُمارسون الجوعَ والفداءْ،
و”أحمدُ” اسْتَلَّ أبا ذَرٍّ لكيْ لا تعبرَ القوافلْ
إلاّ على ضريبةِ الجياعْ.
ما أصعبَ “الرِبْذةَ” إنْ عادَ “أبو ذرٍّ”
رَبيطَ جوعِها في وسطِ الصحراءْ،
يموتُ دونَ سيفِهِ، وتعبرُ القوافلْ،
ولا “غِفارَ” دونَها لتقطعَ الطريقْ.
لكنّهُ عاد مع “القرامطةْ”
إرادةُ الحياةْ،
تُقيمُ بينَ الجوعِ والثورةِ أقوى رابطةْ
يا أيُّها الوطنْ،
متى ستُرْدي الحاكمَ الكذّابْ،
وظلَّه المصابَ بالزحفِ على الأبوابْ،
وطغمةً ينقصُها الإحساسُ والحياءْ،
وساسةً يحكمُهمْ أغرابْ.
لا بدَّ أن تقومَ يا وطنْ،
من حقدِنا وقهرِنا وجوعِنا،
من البطونِ الفارغةْ
من كلِّ من غَيَّبَهُ البحرُ بلا كَفَنْ،
من الذين يُحرِقونْ
قوارِبَ الموتِ على الميناءِ والسفنْ،
من ذلك الطفلِ الذي ألقتْهُ يوماً أمُّهُ
ليشربَ الحليبَ في البحرِ من العُبابْ
ملاحظة:
“غفار” هي قبيلة الصحابي الجليل أبي ذرٍّ الغِفاريّ التي كانت تسلب قوافلَ التجار، وبعد أن دخلت في الإسلام قال فيها الرسول العربي: “غِفار، غفرَ اللهُ لها