كتب نقولا أبو فيصل”بين تَريّيف المدن …وتَمّدين الأرياف” !
يرتبط التمدين في لبنان بعدة عوامل أهمها الهجرة الريفية التي تسود أكثر في المناطق ذات المؤهلات الاقتصادية والتنموية الضعيفة بسبب اهمال الدولة وعجز حكومات ما بعد الحرب عن تحقيق الانماء المتوازن بين المحافظات بسبب انشغالها في إعمار العاصمة بيروت ، مع تسجيل تحسن بسيط نسبيًا في تنمية بعض قرى الريف اللبناني قامت به البلديات، كما نفذت الوكالة الاميركية للتنمية USAID العديد من المشاريع التنموية في القرى النائية في أقضية محافظات الشمال وعكار والبقاع والشوف والمتن العالي وقرى جزين والجنوب وغيرها ، وتزداد الهجرة الريفية في فصل الشتاء إجمالاً ، كما شهدت المدن اللبنانية ارتفاعاً كبيراً في أعداد اليد العاملة القادمة من القرى للعمل فيها في فصل الشتاء لانعدام فرص العمل في قراهم البعيدة نسبياً عن المدن.
لكن ماذا عن العلاقة الاقتصادية بين المدن والقرى في لبنان ؟ لقد اعتاد القرويون على التبادل التجاري بين قراهم والمدن على الشكل التالي، بحيث تمون الارياف المدن بالمنتجات الزراعية من خضار وفاكهة وحليب ، اضافة الى منتجات المونة اللبنانية التي تنتجها هذه المناطق في فصل الصيف ، مقابل شراء اهل القرى من المدن المنتجات الصناعية ،وتعد المدن مراكز استقطاب لرؤوس الأموال التي يقوم ابناء القرى بتحصيلها من الاغتراب ، أما فيما يخص العلاقات الديموغرافية والاجتماعية فإن انتقال أبناء القرى الى المدن هو في الأساس للعمل والرغبة في تحسين مستوى المعيشة , أما في ما يخصّ العلاقات الإدارية والثقافية بين الأرياف والمدن فإن تمركز الأجهزة الإدارية للدولة في المدن تدفع بالهجرة نحوها ، كذلك بهدف متابعة أبناء الارياف لدراستهم الجامعية فيها ، وقد تسبب ذلك بنشوء حزام بؤس في ضواحي المدن وخاصة مدينة بيروت من الجانبين الشرقي والجنوبي .
في الوقت عينه توجد ظاهرة التراقص السكاني، حيث ينتقل يومياً الالاف من سكان القرى نحو المدن القريبة منهم بهدف التحاقهم بالوظيفة وتحصيل ابنائهم العلم ، كما ظهرت في السنوات الأخيرة هجرة معاكسة من المدن إلى القرى بحثاً عن الهدوء والبيئة النظيفة ، وقد تزايدت اعداد المنتقلين الى قراهم في المحافظات بعد الانهيار المالي والاقتصادي للعمل في الزراعة او في مشروعات صناعية خفيفة خاصة بعد توفر الطاقة البديلة وتدني الكلفة بعد ارتفاع اسعار الكهرباء والمحروقات ، كل ذلك من اجل كسب لقمة عيش شريفة ، وهكذا صرنا نرى لا مركزية غير معلنة واكتفاء شبه ذاتي في البلدات والقرى اللبنانية وتطورا كبيراً في الانماء والعمران والاقتصاد في كل المحافظات اللبنانية .
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب”جزء 5