كتب نقولا أبو فيصل”بين الاعتراض بصمت.. وزمن الرويبضة” !
يبدو أن الحياة في لبنان قد اخذت مني الكثير واستنزفت الأيام القاسية ما في داخلي من صبر وطول بالٍ وأخذت منه ما استطاعت أن تأخذه ، فلا يمكن للانسان أن يظل قوياً دائماً ، معترضاً ورافضاً لكل ما يراه من حوله من تزوير للحقائق حيث بات الجلاد يرقص على جثث ضحاياه وصارت “العاهرة تحاضر بالعفة”في وطن لا تتجاوز مساحته مدينة في اوروبا او اميركا “وكل الناس بتعرف بعضها” ولما كنت في صغري كما تقول لي العائلة ” اللي بقلبي على لساني “فإن هذا اللسان قد تحول مع مرور الزمن إلى لسان صامت يتململ من أجل أن ينتقل من حديث إلى آخر، وكأن شخصية جديدة هادئة وصامتة بدأت تلبس شخصيتي تعتمد على الاستماع أكثر من الكلام وكأنه نظام حياة جديد سمته الهدوء والاكثار من الابتسامة لكثرة خيبات الامل بحكام هذه البلاد .
يقول الرئيس نيلسون مانديلا الزعيم السابق لجنوب أفريقيا “القوة ليست فيما نقول ونفعل، أحياناً تكون فيما نصمت عنه ، فيما نتركه بإرادتنا وفيما نتجاهله” لقد كنت واهماً انني لن أتغير أو أتبدل وما كنت أقوم به كان انعكاساً لشخصيتي التي ربما لا تشبه من حولي ، وربما كنت لا أحب أن أتعايش مع هذه الشخصية التي لا تعرف الهدوء ولا ثقافة الفراغ ، الى أن تغّير الزمن وتغيّرت معه، لكن هل لأن التغيير هو من قاموس الحياة؟ أم أن البشر قابلين للتغيير؟ وما بين شخصيتي ما قبل التغيير وهذا السكون الآن مساحة فاصلة ومسيرة من المؤكد أنه تخللتها أحداث ، أحزان ، تجارب وإعادة قراءة الحياة بشكل مختلف وبطريقة تبتعد عن تعليم الآخرين وليس التعلم منهم.
نعم القوة الحقيقية في هذا الزمن ، زمن الرويبضة هي في الصمت ، لأنه الاختيار السهل لي والأصعب للآخرين ، الصمت عما نتركه بإختيارنا ونفتح له النوافذ ، الصمت عندما نتجاهل ما لا نريد ونسقطه من حساباتنا… ويبقى السؤال كيف نتعامل مع الرويبضة؟ والجواب هو بالصمت ، إذ أن الأعراض الظاهرة تعطينا مهارة التعامل معه بالتجاهل والتوقف عن الدخول في نقاش ، وإخراجه الفوري من حياتنا بكل هدوء إن كان خارج إطار الاسرة .
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب”جزء5