حزب الله يؤمّن نصف جلسة حكومية: بقاء ديناميكية التعطيل
تدور السياسة في لبنان بحلقة مفرغة. لا مبادرة يضطّلع بها أحد من الأطراف. وإن وجدت لا إمكانية لوصولها إلى تفاهم أو بناء معالم تسوية. يتلهى المسؤولون بتفاصيل يومية كالاختلاف المستمر حول عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، على ملفات حياتية ومعيشية. فيما آخرون يراقبون مسار العلاقات بين القوى المختلفة، أو المتحالفة مع بعضها وإن على خلاف حول التعامل مع المرحلة الحالية، كما هو الحال بالنسبة إلى العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. تلك العلاقة التي تزداد توتراً بسبب مشاركة حزب الله في جلسة الحكومة يوم الأربعاء لإقرار مرسومين متعلقين بملف الكهرباء في مقابل مغادرة الجلسة بعدها. إلا أن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يسعى إلى تأمين النصاب على الرغم من مغادرة وزيري الحزب، وهو في ذلك يسعى إلى تثبيت حضور وزير الاقتصاد أمين سلام، بالإضافة إلى استقطاب وزير السياحة وليد نصار.
جدول أعمال الحكومة
أسئلة كثيرة ستطرح حول مسار العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، لا سيما أن رئيس التيار جبران باسيل كان قد عبّر عن استيائه من عقد جلسة الحكومة، ومن أن حليفه الاستراتيجي هو الذي أمّن انعقادها. يبرر الحزب ذلك بأنه لا يمكن تعطيل الملفات المهمة والضرورية بالنسبة إلى المواطنين. في المقابل، تؤكد المصادر القريبة من الحزب أنه سيغادر الجلسة بعد الانتهاء من ملفي الكهرباء. فيما اللافت كان إزالة مرسوم ترقية الضباط في الأسلاك العسكرية والأمنية من جدول الأعمال، بينما يستمر البحث عن صيغة لإقرار هذه الترقيات.
كل هذه اليوميات لا تسد الفراغ السياسي المفتوح على ما يبدو، إلى أن يحين موعد التفاوض الجدي حول سد الفراغ الرئاسي. وهذا لا بد أن يكون له جملة وقائع ومعطيات لا تزال غير متوفرة وبعيدة. لأن الوقائع الداخلية لا تسمح بإنجاز الاستحقاق. إذ أن التوازنات النيابية داخل البرلمان وكيفية توزع الكتل النيابية، إلى جانب الخلافات السياسية القائمة، يجعل الاستحقاق خارجياً بدلاً من أن يكون داخلياً. ولذلك، فإن إنجاز الاستحقاق ينتظر حصول مقايضات إقليمية ودولية تنعكس على لبنان. وذلك غير متوفر أو ظاهر حتى الآن.
الاستحقاق وباب معراب
وطالما أن الفراغ الرئاسي مستمر، فإن حزب الله يسعى إلى التحرر من أعبائه، وذلك من خلال دفع مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وتسيير الأمور ولو بالحد الأدنى، بغض النظر عن احتمال وقوع الخلاف مع حليفه جبران باسيل، لأن الحزب يعلم أن لا مجال لذهاب باسيل إلى أي مكان آخر، فلا أبواب معراب مفتوحة ولا أبواب واشنطن كذلك. ولو كانت أبواب معراب مفتوحة أمام باسيل لكان بإمكان الثنائية المسيحية أن تؤسس إلى تغيير في قواعد اللعبة الرئاسية. وهنا لا بد من التذكير بأنه على مدار ثلاثين سنة الماضية فرضت القوى المسيحية إرادتها في استحقاقين أساسيين للانتخابات الرئاسية. استحقاق تعطيل انتخاب مخايل الضاهر في العام 1988، وفرض انتخاب ميشال عون في العام 2016. وهذا يحتاج إلى تفاهم بين باسيل وجعجع، إلا أن النية غير متوفرة لذلك.
لذلك، فإن أقل الشرور بالنسبة إلى الحزب هو الاختلاف مع باسيل، لأنه لم يعد بحاجة كما كان في السابق إلى الحصول على المشروعية في الداخل، فيما الحزب حريص على العلاقات مع كل القوى، وخصوصاً مع السنّة، بينما باسيل وضع نفسه طوال السنوات الماضية في مكان غير المتمع بأي قدرة على نسج علاقات سياسية بعيداً عن الحزب.
لا يريد الحزب كسر العلاقة مع باسيل، وهو الموقف نفسه لدى الأخير، ولكن هناك سعي لإيجاد طريقة جديدة لإدارة هذا التحالف السياسي.
من جهة أخرى، تتمتع قوى الداخل بديناميكية تعطيلية لأي تسوية أو اتفاق، لكنها لا تتمتع بديناميكية محركة أو صانعة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
المدن