بكركي “وحيدة” تدرس أفكاراً لتجمع المسيحيين على رئيس
هل تسرّع البطريرك بشارة الراعي في إبداء الحماسة لدعوة النواب المسيحيين إلى لقاء وحوار في بكركي؟ هل ارتكب الخطأ الذي طالما تجنبه، مستنداً إلى تجربة مريرة لسلفه البطريرك نصرالله صفير في جمع القادة الموارنة؟ وهل تراجع الراعي اليوم عن فكرته الذي حرص على تأمين “إجماع” حولها من رؤساء الكنائس؟
الأكيد أن البطريرك لمس، مرة جديدة، عمق الهوة التي تفصل بين القيادات المسيحية وصعوبة جمعهم ولو تحت عباءة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق.
واكتشف، مرة جديدة أيضاً، أن لكل فريق مطالعته الدفاعية حول سلوكياته، والتي تنطلق جميعها من “مصلحة المسيحيين ولبنان”، ولا يتنازل أو يساوم في شأنها.
البحث في مجموعة أفكار
ومع ذلك، “تبحث الدوائر الكنسية عن أفضل آلية وصيغة للوصول إلى النتيجة المرجوّة. وهي تترك لنفسها هامش التحرك والاختيار بين مجموعة من الأفكار والصيغ يتم البحث بها”، على ما يؤكد أحد المطارنة في بكركي.
هو تراجع تكتيكي لبكركي، التي تشعر وكأنها تحمل وحدها هموم الفراغ الرئاسي وتداعياته، ليس على الحياة الوطنية فقط، إنما “على الفكرة التي قام عليها لبنان من شراكة وتعايش ومحاولة بناء دولة حديثة منفتحة على العالم، حتى لو كان محيطها غارقاً في ماضوية أو عائداً إليها”.
وحدة وسط الجماعة
“الوحدة” التي تشعر فيها بكركي تبدأ من بيتها الداخلي، أي من “الجماعة المارونية السياسية” أولاً، والمسيحية ثانياً، من دون أن تستثني المسلمين، الشركاء في التعطيل، وفي الخفة بالتعاطي مع “المنصب الأول في الدولة”.
لكن وضع العصي في دواليب حوار بكركي بدأ من الأحزاب المسيحية، التي أوصلت رسائل واضحة، خلاصتها عرقلة الحوار. مع العلم أن جميع الأحزاب والشخصيات والتجمعات تبدأ مؤكدة أنه “حين تدعو بكركي فإننا نلبي”، غير أن الـ”لكن” التي تلي تختصر حقيقة التحفظ على مثل هذه الدعوة.
فـ”المردة” أبلغ دوائر الصرح أن سليمان فرنجية غير متحمس للحوار الموسع. هو مستعد للقاء قادة الأحزاب المسيحية كل على حدة في بكركي، وفي حضور البطريرك للنقاش والتحاور.
يتحفظ فرنجيه لأنه يعرف أنه لا يملك الأكثرية بين النواب المسيحيين، وبالتالي فحظوظه ضعيفة بالتوافق حول اسمه.
هذا السبب بالتحديد دفع القوات اللبنانية إلى الاقتراح على بكركي أن يتم نوع من “الانتخاب الأبيض” في بكركي، ومن ينل من المرشحين الأصوات الأعلى من بين النواب الموارنة يتم الالتزام بانتخابه في المجلس النيابي.
فالقوات تعتبر أن مرشحها يمتلك الحظ الأكبر من الأصوات لأنه ينال، إضافة إلى أصواتها، معظم أصوات النواب المسيحيين المستقلين.
أما التيار الوطني الحر، فكان من المشجعين على الاجتماع، في محاولة منه لإعادة تعويم نفسه. فخطاب “حقوق المسيحيين” يحتاج، أقله، إلى مظلة بكركي. وما زيارات باسيل المتكررة إلى الصرح البطريركي، بعد ما يشبه القطيعة والاكتفاء بإيفاد ممثلين أو مندوبين عنه، إلا وجه من وجوه تثبيت “شرعية” المطالب وأحقية طالبها.
وكما الأحزاب الأخرى، فإن الكتائب طلبت من بكركي توضيح طبيعة الاجتماع، وما المأمول منه وآلية العمل والمشاركين فيه، وغيرها من التفاصيل.
وتشير معلومات متقاطعة إلى أن الأحزاب المسيحية رفضت فكرة عقد لقاء رباعي يضم رؤساءها فقط في بكركي.
واجب النواب
وسط كل تعقيد العلاقات بين القوى المسيحية تصر بكركي على فتح كوّة في استعصاء انتخاب رئيس. المشكلة أن بكركي تبدو وحيدة. فحتى الفاتيكان، كما تشير أوساط رهبانية، بات على يقين أن “على اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن يتحملوا مسؤولياتهم لإخراج بلدهم من أزماته. وإذا كان المسيحيون يشعرون فعلاً بهول الفراغ الرئاسي، فلا بد من مبادرة ودينامية داخلية تدفع باتجاه انتخاب رئيس. فالخارج، أقله الدول التي تتواصل معها الدوائر الفاتيكانية، تشجع، وأقله لا تعارض، انتخاب رئيس، لكن أحداً لا يمكنه أن يحل محل اللبنانيين. في النهاية، على النواب القيام بواجبهم”.
لن تتراجع بكركي عن مساعيها لكسر حال المراوحة في انتخاب رئيس، حتى لو أدى ذلك “أن تبذل من نفسها” في سبيل هذا الهدف، “فالكثير الكثير على المحك هنا”، كما يشير أحد المطارنة.
وما الخطر الأكبر؟
يرفض الإضافة والشرح ويستشهد بالمتنبي قائلاً: “وليس يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل”.
المدن