نقولا أبو فيصل يكتب “بين التربية على جبر الخواطر وعاداتنا اللبنانية”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 5
التربية على جبر الخواطر هي فعل عظيم، حتى لو اختلفت مشاعر البعض تجاه بعضهم الآخر في القادم من الأيام. فحفظ الجميل واجب، لأن من إحتضن انساناً وهو على مقربة من الخيبة، لانه كان ولا يزال يعني له الحياة والدنيا بمن عليها، ليس كمن إحتضنه من باب الشفقة. فالحب بين الناس يعيش بكلمة طيبة وابتسامة صادقة، والأمل يُلمح في وجوه الناس قبل أن يُرى في واقع الأشياء، والحب يبرئ الجروح، ويجعل مر الأيام حلوة . نعم جبر الخواطر هو بلسم القلوب ودواء الروح المتعبة، وما اجمله بين المحبين . “الله يجبر خاطرك” عبارة نادراً ما عدنا نسمعها من الاجيال الجديدة، وما جعلني اكتب عن جبر الخاطر زيارة قامت بها سيدة راقية من جبلنا الاشم الى مكتبي الأسبوع الفائت، ورددتها مراراً، ولا يمكنكم تخيل كم كان قولها هذا محبباً الى قلبي حين استكملته بالقول:” إن فعل الخير عند الناس يصبح عادة وعدوى للآخرين او محفزاً لهم ان صح التعبير ، وإن وقع في مكانه فهو جيد، وان جاء في غير مكانه فإن النية تكفي عند الله الذي يجبر بخاطر فاعله
وإذا رأيت إنساناً منطفئاً حدثه كثيراً عن مزاياه، حتى يعود ويضيء ، لان جبر الخواطر ممارسة ، ومن المؤلم أن تجبر خاطر من حولك في كل إنكسار ، وهم غير قادرين على أن يجبروا خاطرك بكلمة ما. ولكن في لحظة ادراك، سوف تدرك أنه باستطاعتك ان تلملم انكساراتك وتحملها على اكتاف الصمت وعدم البوح بشيء ما ، وهنا تصمت وترحل بهدوء عن الذين خذلوا توقعاتك في جبر خاطرك. وجبر الخواطر يقوم بتخفيف تعب الحياة عن شخص مكسور وتضميد جروح روحه بمواساته وتسهيل أمر صعب عليه، وربما مدحه في أمر صحيح قام بفعله لتشجيعه أكثر وتعزيز ثقته بنفسه. وقد يكون جبر خاطره عبر تقديم هدية بسيطة له تشعره بأنه يستحق، وعبر سؤال يشعره بوجوده ، فهنيئاً لمن بات ليلته والناس يدعون له بالخير، وويل لمن نام ليله والناس يدعون عليه بالشر، “ونيال”من أحبته القلوب وخسارة لمن لعنته الألسن. وما دام الانسان يعين غيره على قضاء حوائجه، فلا بد من أن العون الإلهي في طريقه إليه، ليقضي حوائجه وجبر الخواطر “يَشْفِي الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ.” سفر المزامير (147: 3)
وحين يسألونك عن أفضل الأعمال الإنسانية، فحدثهم عن جبر الخواطر ، فالحياة اركانها التقدير والاهتمام والحب والاحترام والرحمة والمدح والمجاملة والعفو عن الاخطاء والتعاون وجميعها من متممات جبر الخواطر. نسأل الله ان يجعل لنا منه نصيباً، بعد أن تعبنا من جبر خواطر من حولنا، وخواطرنا مهمّله ! وجَبرُ الخَواطِر إذا احتُسب عند الله فهو مِن أعظَم الاعمال وقد يتجلى بمُواساة مَحزُونٍ وإغاثة مَلهُوف ومد يد العون لمسكين، وإرشَاد تائِه. فالله يرَى افعالنا تجاه الناس وإحسَانِنا إليهِم رغم تقصيرنا، وهو الذي يجبر الخواطر ويفرح القلوب، وتراهُ في جبرِ الخَواطرِ سَاعياً.وهكذا، فإن خير ما يظفر به الإنسان في هذه الحياة هو جبر الخواطر ، واذا كسر أهل الأرض بخاطر شخص ما، فإن رب السماوات يجبر بخاطره ، فجبر الخواطر على الله والله يجبر بخاطركم جمعياً
نقولا ابو فيصل: كاتب وباحث ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع
