كتب نقولا أبو فيصل “بين نفاذ الصبر وفوات الأوان والوصول المتأخر”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 5
يقال: “أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً “وهذه الكذبة التى صنعها التاريخ لم تعد صالحة في عصرنا ، فالزمن تغير كثيراً وباتت الأشياء التي لا تصل بوقتها لا لزوم لها أبداً !وعلينا مصارحة أنفسنا وعدم إقناع ذواتنا بما هو ليس بمنطق ، فأقسى ما يشوه جمال الحب هو أن ننظر إليه بعين الانتظار وحين لا تتحقق علاقة ما كنا نرغب بها فلا يجب أن نحّمل الأخرين خطيئة ذلك ، وحين لا ينصاع الاخرون لرغباتنا فلا يجوز أن نلصق بهم تهماً موجودة فينا . وفي هذا السياق يقول يزيدو فيتش:”أن تدرك بعد وقت خير لك من أن تستفيق بعد فوات الاوان”ولا يحق لأحد المطالبة في استعادة الأشياء التي لم يشعر بقيمتها إلا بعد فوات أوانها ، ونصيب المتأخر هو مشاهدتها تبتعد.” وفي نصيحة لشباب اليوم أقول : “الذي يمشي لك خطوة أمشي له خطوة ! ولا يجب أن تبالغ بالكرم وتمشي له خطوات عديدة ،فالمبالغة في فعل الاشياء ترجعنا خائبين في اغلب الاحيان .
وفي العلاقات بين الاشخاص فإن العلاقة التي يسعى طرف من أطرافها جاهدًا إلى توهجها، سيأتي اليوم الذي يُطفئها هو نفسه دفعة واحدة من شدة تعبه . وقد روت لي صديقة عن تعاستها في حياتها الزوجية قائلة : “في السنة الأولى كان ودوداً معي ، لبقّ الكلام ، جميل الاحاسيس ورائع الفهم والاستيعاب ، يشعر بما في داخلي , وفي السنة الثانية ابتعد قليلًا وقل كلامه وبدأ صوته يعلو قليلًا على تفاهة الأمور ولم أعد أعرفه كمثل ذي قبل , وفي السنة الثالثة والاخيرة لارتباطنا ابكاني الى حد الوجع واوجعني الى حد البكاء “. وتضيف الضحية الحية “لا أعلم هل أبكي لأنه أوجعني أو لأني أحبه”. وتختم حديثها بالقول “في الحقيقة أنا لم أعُد أنتظر شيئًا، وبتُّ أشعُر بشيءٍ في أعماقي يخبرني بأن الترقب هو من أسوأ الأمور التي قد يفعلها الانسان الذي يُعذّب نفسه”
وفي الواقع علينا أن نعترف بأن العلاقات بين الناس قد تبدلت في المجتمع اللبناني بعد اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي البيوت وتغيرت معها الحياة ، وبات الرجل والمرأة يعملان لتحقيق ذاتيهما ، وباتت المرأة تهتم بتحصيلها العلمي لتحقيق الامان الاجتماعي لها ولضمان مستقبلها لخوفها من الارتباط في علاقة فاشلة حيث الندم لا يعود يفيدها بعد فوات الاوان ، خاصة أن المرأة في نظر بعض الذكور هي سلعة متوفرة متى ارادوا، وكأنها مخلوقة للديكور في بيوتهم اذا كانت ذات جمال لافت ، أو انها سلعة للمتعة ولسد اوقات فراغهم ، وفيما تحتج بعض النساء على الأذى الذي يلحقه بهنً بعض الذكور بسبب التفكير بأنانية لأنهم يعتقدون أن المرأة هي ملكية خاصة لهم وبأنه مباحٌ تعنيفها لفظياً إذا لم نقل جسدياً ، لذلك نرى الخوف يمتلك قلوب بعض الذكور من نجاح المرأة وتحقيقها الاستقلال المالي، لذلك يحاربون نجاحها تحت ذريعة إمتلاكهم المال ولا حاجة لعملها، وفعلاً صدق جبران خليل جبران بنصيحته : “عزيز النفس لا يُعادي بل يترك الجمل بما حمل”.
نقولا ابو فيصل
