مقاطعة سنّية وشيعية لطرح “رؤية جديدة للبنان”
يعترف كل الأطراف في لبنان بصعوبة انتخاب رئيس للجمهورية خارج التوافق، ومع ذلك يرفض أي طرف النزول عن شجرة مطالبه. يستمر التعطيل والعناد السياسي ويصبح البحث في الأسباب التعطيلية محرماً أو مسّاً بالمقدسات. منذ إقرار الطائف وبنوده عرضة للتأويل. بسببه يقع الخلاف على الصلاحيات وتأليف الحكومة أو تعطيل عملها. بالمقارنة فإنّ البنود المختلف على تفسيرها في الطائف تفوق تلك المتفق عليها، ومع ذلك يعتبر السنة أنّ المس به ويل وثبور، ويراه الشيعة خارج سياقه بينما يعتبر المسيحيون أنفسهم ضحية.
خلافاً لإعتبارات الحرب التي تجعل الكل متأهباً، فُتح النقاش حديثاً حول «رؤية جديدة للبنان الغد تطرح دولة مدنية لامركزية حيادية» تتضمّن برنامج عمل مستفيضاً لرئيس الجمهورية المقبل الذي يفترض حسب الوثيقة أن يكون الأخير الذي ينتخبه مجلس النواب.
تكسر تلك الوثيقة «التابو» في نقاش مسائل إلغاء مذهبية كل من رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب مباشرة، ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وإلغاء طائفية ومذهبية رئيس مجلس الشيوخ المنوي انشاؤه، وإلغاء المذهبية في كل إدارات الدولة كمقدمة لإكتمال المواطنية. ولا يحق لأي مذهب أن يحتكر رئاستين من بين الرئاسات الأربع. تلاقي الوثيقة القائلين بوقف العدّ إلى حسن نواياهم. وتتحرر من القيد الطائفي نحو المواطنية، ولكن مجرد النقاش فيها كان موضع قلق فكيف بالتطبيق.
بدأت العمل على الوثيقة عام 2014 مجموعة من الشخصيات المسيحية، ثم توسّعت لتشمل شخصيات من مختلف الطوائف، وبعد اندلاع الثورة عام 2019 جرى التواصل مع كل الكتل النيابية فحظيت بموافقة رئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور جنبلاط الذي سأل عن رأي البطريرك الراعي، فأجابه وفد الوثيقة «لا نقود انقلاباً على البطريركية». وافق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وكذلك رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنها تتضمّن أفكاره. وإثر لقائه أرسل رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد كتاباً خطياً بتكليف كل من النائب علي فياض والدكتور عبد الحليم فضل لله للتنسيق. بعد اجتماعين استفسرا خلالهما عن كل ما ورد في الوثيقة، استمهلا إلى ما بعد شهر رمضان الماضي لأخذ رأي الأمين العام بالوثيقة، مرت سنة منذ العام الماضي ولغاية اليوم والجواب لم يأتِ بعد.
طرحت الوثيقة مجدداً وكانت محل ترحيب القيادات الروحية التي باركت لقاء لمناقشتها تستضيفه بكركي. أبلغ نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الشيخ علي الخطيب موافقته على الحضور، كذلك شيخ عقل الطائفة الدرزية ومفتي الجمهورية اللبنانية. شملت الدعوات الكتل النيابية بلا استثناء، وأكدت غالبية المدعوين حضورهم. لاحقاً اعتذر الشيخ الخطيب عن عدم الحضور وتخلّف نواب الثنائي الشيعي وكذلك النواب السنة الذين تغيبوا بلا عذر، وغاب بعضهم عن السمع. أما النائب أشرف ريفي الذي كان يفترض أن يمثل كتلة «تجدد»، فقد أبدى حماسته لما ورد في الوثيقة، لكنه رأى في ما بعد أنّ مشاركته تحرجه سنياً، وغيره من الشخصيات السنية قال إنّ الظرف غير ملائم لمناقشة كهذه.
لم تشفع توضيحات مدير اللقاء الوزير السابق يوسف سلامة «أنّ الغرض من طرح الوثيقة ليس تعديل الطائف بمجمله، انما الدفع في اتجاه تطبيقه كاملاً بدل أن تبقى بنوده عرضة للاجتهاد أو التأويل، ويتم تعطيل الاستحقاقات كإنتخابات رئاسة الجمهورية، وأنّ المقصود ألا تبقى المُهل ثغرة في الطائف وألا يكون التعطيل سمة الجمهورية». يقول سلامة إنّ الهدف هو «العمل على إلغاء الطائفية وتعزيز مفهوم المواطنية في لبنان» لأننا «مقتنعون أن لا طرف في مقدوره أن يحمي الطرف الآخر خارج مفهوم الدولة، ولذا المطلوب التعاون من أجل بنائها».
يعدّد سلامة الثغر التي وردت في الطائف وأولاها عدم وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء الذي تناط به مجتمعاً صلاحية رئيس الجمهورية «منذ خرج الجيش السوري عشنا معظم الوقت في ظل حكومات مستقيلة، لأنّ عدم اتفاق رئيسي الجمهورية والحكومة يجعل تأليف الحكومة مستحيلاً في لبنان».
يفترض بالطائف، حسب سلامة، أن يمنح مهلاً لرئيسي الجمهورية والحكومة «إذا تعذر على الرئيس المكلف تشكيل حكومة يعتبر معتذراً، وإذا شكل حكومة لم يوقعها رئيس الجمهورية يمكنه أن يعرضها على مجلسي النواب والشيوخ، فإذا نالت الثقة يضطر رئيس الجمهورية لتوقيعها. وضعنا ضوابط للطرفين لتفعيل قيام الدولة. واقترحنا مجلس نواب خارج القيد الطائفي كي نحمي التوازن الإسلامي المسيحي، واعتمدنا قانون انتخاب يرتكز على الأقضية التاريخية، ولكل قضاء نائبان باستثناء بيروت العاصمة، واقترحنا قضاء اسمه الضاحية الجنوبية لبيروت، وقضاء جبل الأرز الشرقي».
في تفسيره أنّ تعديلات كهذه من شأنها أن تحرر عملية انتخاب رئيس الجمهورية، ولا يكون انتخابه مؤجلاً «ولكي نريح المسيحيين قلنا على من يترشح للرئاسة أن يكون أحد أعضاء مجلس الشيوخ وينال توقيع 16 شيخاً من أصل ستين نصفهم من المسيحيين ونصفهم من المسلمين أي يحظى بصفة تمثيلية ويفوز بأصوات كل الشعب اللبناني وخطابه يفترض أن يكون وطنياً».
تتجاوز الوثيقة مسألة العددية والأكثرية والأقلية «اعتمدنا روحية الطائف الذي أوقف العدّ وتعاطينا انطلاقاً من مبدأ أنّ لبنان رسالة، وإيجاد مناخ وطني يؤسس للاعتدال السياسي في لبنان ويحمي وحدته في وقت يتغيّر فيه الشرق».
الوثيقة التي سلمت إلى الفاتيكان ستكون موضع بحث مع اللجنة الخماسية «سنتحاور ونحاول تكوين رأي عام ضاغط في شأنها على أن يتولى رئيس الجمهورية المنتخب قريباً بلورتها وتنفيذها».