كتب نقولا أبو فيصل “بين قليل من الموت وكثير من الحياة صمت قاتل”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 6
في لبنان بات قليلون هم الذين يصنعون الحياة وكثيرون هم الذين يصنعون الموت ، وقد يكون الموت المقصود هنا على شكل قتل طموح او فرض واقع تستحيل معه الحياة . وسوف ابدأ من قصة صديقتي التي كتبت لي قائلة : “تأثرت كثيراً بمقالك بالامس عن الانسان الموهوب ومعوّقات الإبداع لانه يجسد قصة حياتي ، فأنا سيدة توقفت طموحاتها منذ زمن بعيد والسبب يعود للتخوين من زوجي والغيرة والحسد من الأصحاب “تتابع : “توقفت عن السعي وانا في الخامسة والاربعين من العمر رغم كل العروضات والمغريات.ومن ذلك الحين وانا اعيش حالة الطلاق الصامت (كرامتي اولاً واخيراً).ضحيت بكل شيئ ورضخت من أجل بناتي ” وختمت تقول “قصة حياتي طويلة ومعقدة ورغم ذلك استمريت دون تخاذل” .
في الواقع اللبناني المرّ نجد القليلَ من الحياة والكثير من الموت ، وفي مخيلتنا نجد القليلٌ من الأمل والكثيرٌ من الألم . كل هذا ونحن نعيشٌ ونستمتع برفقة الأصدقاء ، فما حالُ الذين يعيشون الخوف بدل الامان ، والهلع بدل الاستكان ، يعيشون الحرمانٌ العاطفي القاتل في بيوت باردة عاطفياً،. وفي دردشة مع صديقي الكندي المُعمر والذي بلغ التاسعة والثمانين من العمر ولا يزال “عقله يوزن جبل” سألته رأيه فأجابني : أن قليلاً من البعض يملأ الحياة ، وقليلاً من البعض يجلب المرض ، وكثيراً من البعض يستدعي الموت.واذا كان قليل من الاموات كانوا يستحقون الحياة ، وكثير من الاحياء يستحقون الموت ، فأن هذا شأن الله في خلقه ولا اعتراض عندنا على ذاك لان هذا شأن الله وحده !
في حياتي العملية تعرضت لنكسات عديدة ، ولم يكن لدي أي قدرة للسيطرة عليها ،ولم أكن أعلم في ذلك الوقت أنها كانت واحدة من “حالات الموت الصغيرة” العديدة التي نعيشها في حياتنا. فما هي الوفيات الصغيرة؟ عندما نفكر عادة في الحزن، فإننا نفكر في الموت: وفاة الوالد او الوالدة أو أحد أفراد العائلة. إنها خسائر كبيرة تغير شكل واقعنا وتجعلنا نغير إحساسنا ، وفي كل مرة يحدث فيها التغيير في حياتنا، فأننا نختبر القليل من الموت. في الحياة نعيش الكثير من الوفيات الصغيرة في حياتنا. عندما نتزوج نختبر موت حياتنا الفردية ، عندما نصبح آباء، فإن مغادرة اولادنا للمنزل العائلي يجعل العلاقات تموت، وتتغير الحياة، نحن لا نعترف بهذه الوفيات الصغيرة بما فيه الكفاية. قد ندرك أننا نمر بالتغيير، لكننا لا نمنحه الكرامة التي نربطها بالموت. نحن لا نتوقف ونقول: “هذا تغيير كبير في حياتنا، ويستحق الحزن”. وبدلاً من ذلك، نحاول غالبًا شق طريق جديد والمضي قدمًا.
نقولا ابو فيصل