الخماسيّة لرئيس “مرحلة” يتبنّاه برّي ولا يمانع به الحزب
يرى أحد السفراء الأعضاء في اللجنة الخماسية أنّ هناك ظروفاً إقليمية ومحلّية تلائم محاولتها إحداث اختراق في الفراغ الرئاسي. لكنّه يستدرك بسرعة أنّه ليس بالضرورة أن تؤدّي لانتخاب رئيس.
تلتئم الخماسية اليوم، مع تساوي التوقّعات بين أن تنجح في مسعاها أو أن تخفق. ويفضّل السفير إيّاه استبدال وصف حراكها بأنّه “دوران حول الذات”، جرّاء ملل الرأي العام من تكرار الطروحات. المثل الذي يعتبره أكثر دقّة هو القائل إنّ “الجريَ (الركض) مكانك أفضل من أن تقف وتدخّن سيكارة وأنت تنتظر صفّارة الانطلاق في المباراة”. فمن يركض في مكانه يتهيّأ للسباق بالتحمية، ومن يقف منتظراً ويتنشّق سيجارته سيتأخّر عن الإقلاع عندما يحين الوقت.
هل من جديد دفع الدول الخمس المهتمّة بلبنان إلى تفعيل تحرّكها بعد جمود لزهاء 3 أشهر؟ وما الضمانة بأنّ الحراك الجديد لن ينتهي مثل تحرّكات سفرائها السابقة والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى تمديد الشغور؟
ردّ الحزب المحدود في 25 آب
وفق أوساط الخماسية فإنّ الشهرين الماضيين أشغلا دولها في جهود الحؤول دون توسّع الحرب انطلاقاً من جبهة جنوب لبنان. وهذا كان واضحاً في تحرّك أميركا وفرنسا ومصر وموفديها إلى بيروت. تفادي المخاطر من انفجار ينتج حرباً واسعة كانت له الأولوية على انتخاب رئيس. فإمكان انفلات التصعيد الميداني بين إسرائيل والحزب كان ليحول دون نجاح أيّ محاولة لانتخاب رئيس.
يعتقد بعض دول الخماسية أنّ وقائع ردّ الحزب في 25 آب على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر المحدود، والردّ الإسرائيلي، خفّضا من مخاوف توسّع الحرب. وهذا شجّع الخماسية على معاودة تحرّكها في شأن الرئاسة.
ينسجم تقويم السفراء هنا مع الانطباع العامّ الذي تركه ما حصل في ذلك اليوم بأنّ الأمور باقية مضبوطة وتحت السيطرة. كما أنّ موجة التصعيد التي نجمت عن اغتيال شكر وإسماعيل هنية أظهرت ليونة عند فرقاء الحرب يمكن الإفادة منها.
العوامل الخارجيّة وانتظار غزّة ورئاسة أميركا
لكنّ هناك قراءة لعوامل خارجية وأخرى محلّية ساهمت في دفع الخماسية إلى التحرّك:
1- لا أوهام عند سفرائها بأنّ الربط بين استمرار الحرب في جنوب لبنان وحرب غزة، ليس حاضراً في حسابات الحزب. هذا على الرغم من إعلانه بأنّه يفصل بينهما. إلا أنّ مجريات الحرب وتعثّر مفاوضات وقف النار بين إسرائيل و”حماس” جعلا أطراف الخماسية يتسلّحون بالحجّة القائلة إنّ انتظار الحلول السياسية العسكرية في الجنوب المتّصلة بغزة قد يطول. أمّا إذا تقدّمت هذه الحلول وتوصّلت المفاوضات إلى نتائج فالحجّة التقليدية والجوهرية هي حاجة لبنان إلى رئيس يمثّله. والفارق واضح بين أن يحضر لبنان على طاولة التفاوض ويكون شريكاً برئيسه، وبين أن تكون قضيّته على الطاولة بلا رئيس. فعندها يقرّر الحاضرون موقعه بغيابه.
2- انتظار نتائج الانتخابات الأميركية لن يسمح بانعكاس ذلك على لبنان. لدى أوساط الخماسية قراءتها في شأن لامعقولية هذا الانتظار. فإذا كان البعض يعتقد بأنّ نجاح كامالا هاريس يرجّح خياره الرئاسي، لاطمئنان إيران إلى الإدارة الديمقراطية، مثلاً، فلا طائل من ذلك. وإذا كان فريق آخر يرى احتمال فوز دونالد ترامب ضاغطاً على أذرع إيران فيتنازل الحزب رئاسياً، فهذا غير مضمون. وقد يعقب انتخابات أميركا اهتمام دولي بترتيب الدول أوضاعها على وقع تشكيل الإدارة الجديدة في الحالتين. وتأخير الرئاسة في لبنان يعني إهدار فرصة متاحة.
3- أضف أنّ هناك انطباعاً لدى سفراء في الخماسية بأنّ الحزب بات أكثر استعداداً للفصل بين الرئاسة وحرب غزة والجنوب لأنّ هناك حاجة لاستيعاب خسائر لبنان.
العوامل الداخليّة ورئيس لـ”مرحلة”
في تعداد العوامل الخارجية المشجّعة للخماسية على افتتاحها مرحلة التحرّك الجديدة اليوم، لا تنفي أوساطها دور إيران في إبقاء الفراغ. فتصعيد العقوبات الأميركية والحملة على إيران واستهداف أذرعها، لا سيما في سوريا، شاهد على ذلك. تمضي الخماسية بالمحاولة مرجّحة أن تقود إلى عودة لودريان إلى بيروت قريباً، ولا تستبعد إمكان الإخفاق مجدّداً في انتخاب رئيس.
للسفير العضو في الخماسية تقويمٌ للعوامل الداخلية وسط الإهدار المتواصل لفرص إنهاء الفراغ الرئاسي بفعل تلك العوامل. ولدى الخماسية الكثير من الأمثلة المستقاة من مداولاتها، سواء بكلّ أعضائها أو من خلال لقاءات منفردة مع الفرقاء. كما أنّ لديها قراءتها الإيجابية لبعض الأجوبة التي تتلقّاها حتى لو انطوت على مناورة.
تحمل المداولات ليونة من هذا الفريق أو ذاك. لكنّ غياب الثقة أهدر العديد من فرص ترجمتها العملية، للأسباب الآتية:
– كانت اللجنة واضحة بترجيح الخيار الثالث بدلاً من تمسّك الثنائي الشيعي بسليمان فرنجية والمعارضة بجهاد أزعور لأنّ استحالة ضمان الثلثين في الحالتين (86)، سواء للنصاب أو للاقتراع، واضحة وتحتّم ذلك.
– الثابتة الثانية لديها استبعاد انتخاب رئيس بالأكثرية المطلقة (65 نائباً) لأنّه لن يتمكّن من الحكم. مسعاها هو التوافق على مرشّح لا يعادي أيّاً من الفرقاء. فالرئيس المقبل هو “رئيس مرحلة” يدير العلاقات بين الفرقاء ويحقّق حضور لبنان الإقليمي، لاجتراح حلول جذرية للأزمة. وأسماء من ينطبق عليهم ذلك كثيرة. لكنّ اللجنة لن تتدخّل باختيار اسم بل تصرّ على أنّ ذلك مهمّة الفرقاء.
غياب الثّقة المتبادل والتّمسّك بأوراق التّفاوض
– حين يدعو رئيس البرلمان نبيه بري إلى حوار أو تشاور برئاسته، ثمّ يقلّص مدّته، ثمّ يقرّ بعقد جلسة (واحدة بدل جلسات متعدّدة) بدورات متعدّدة، فهو بذلك يبدي ليونة. وعندما يشمل “التشاور” التفاهم على اسم، فهذا هو إقرار ضمني بـ”الخيار الثالث” الذي يجري التفاوض معه وعليه.
– اشتراط قادة المعارضة سحب ترشيح فرنجية قبل جلسات التشاور، للتأكّد من الذهاب إلى الخيار الثالث، يُقابَل بامتناع “الثنائي الشيعي” عن ذلك. لسان حال برّي في هذا المجال أنّ ورقة ترشيح فرنجية هي الوحيدة لدى “الثنائي” للتفاوض على الاسم البديل… فليتركوا لنا هذه الورقة، بدلاً من ذهابنا للتفاوض بلا أوراق. وجواب المعارضة أنّها لا تثق باستعداد رئيس البرلمان لولوج الخيار الثالث، وأنّ تجاربها مع الحوار والتشاور مخيّبة منذ 2006. فهو يخضع في النهاية لما يريده الحزب.
– قادة المعارضة ومنهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يبدون ليونة بانفتاحهم على المساهمة بمخرج لتراجع “الثنائي الشيعي” عن فرنجية، ولتمسّك بري بـ”الحوار”. لكنّ هذا يفرض التأكّد من قرار “الثنائي” إنهاء الفراغ. أمّا الثنائي فيتشكّك في ليونة المعارضين، لا سيما جعجع، حيال مخرج للدعوة إلى الحوار. ويستعيد المعارضون حجّة قدرة بري على المناورة والمداورة التي تفقدهم الثقة بدعوته. فهو سبق أن تراجع عن مواقف سابقة، ومنها استعداده لتكليف نائبه برئاسة الحوار. والموقف الفعليّ في هذا الصدد أنّ القيادات المسيحية لن تقبل بأن تتحكّم الشيعية السياسية بانتخاب الرئيس المسيحي. وهذا يحيل المعضلة إلى معادلة: الكلمة لمن في إنهاء الفراغ الرئاسي؟
– الحزب حين يقول إنّه لن يتخلّى عن فرنجية إلا إذا قرّر هو الانسحاب، يفتح باباً ضمنياً للبحث عن غيره.
وختاماً: ترى أوساط في الخماسية أنّ هناك إمكانية لولوج مخرج لعقدة التحالف بين برّي والحزب، وتبنّي فرنجية. يمكن قلب معادلة رئاسة ميشال عون الذي انتُخِب بتبنّي الحزب له وعدم ممانعة برّي، الذي اكتفى بالامتناع عن الاقتراع له. وعليه يمكن انتخاب رئيس يمثّل الخيار الثالث، يتبنّاه برّي ولا يمانع حياله الحزب في هذه الحال فيصوّت لفرنجية بدلاً منه.
حراك الخماسية الجديد أمام اختبار مدى ملاءمة الظروف الإقليمية لنجاح مسعاها، وامتحان بشأن قدرتها على ردم هوّة انعدام الثقة بين أطراف الداخل. فهي باتت تدرك أنّ غياب هذه الثقة يعود إلى هواجس الطوائف وعداواتها وتاريخ الحروب بينها.
وليد شقير الشرق الاوسط