لهذه الأسباب…سقط اقتراح وقف النار بفائض من المجازر!
لم يكن ثمة حاجة لانتظار الأجوبة العلنية أو الرسمية عن السؤال الذي شغل العالم أمس في ما اذا كان وقف النار الموقت لثلاثة أسابيع وفق المقترح شبه الدولي الذي قدمته الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية أبرزها السعودية والإمارات سيسري ويحدث هدنة، إذ تمثل الجواب الخاطف والسريع في ازدياد المجازر التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على “حزب الله” ولبنان في يومها الرابع.
ومع أن بعض الآمال التي علقت على المسعى الدبلوماسي المتعدد الدول وبرافعة أميركية ظلت قائمة في انتظار استكمال المشاورات الجارية في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، بدا من استشراس الهجمات الجوية الإسرائيلية مقترنة باستمرار حشد الفرق العسكرية على الحدود مع لبنان، أن إسقاط المسعى لا يحتاج الى إعلان فيما هو أمر واقع ناري جوال على الكثير من المناطق اللبنانية.
كما أن “حزب الله” الذي لم يدلِ بردّه علناً على مقترح وقف النار الموقت كثّف ردوده الصاروخيّة على شمال إسرائيل وصولاً الى صفد بما شكل رداً مقابلا على إسرائيل وعلى المقترح أيضاً. ولا تزال بعض الأوساط المعنية ترصد نتائج المشاورات الكثيفة المستمرة في نيويورك علها تفضي إلى احداث اختراق يوقف دورة الهرولة نحو انفجار شامل للحرب علماً أن التصعيد الجنوني في الهجمات الجوية الإسرائيلية أمس وسقوط عشرات الشهداء والضحايا والجرحى والمصابين والدمار المخيف الذي تخلفه الغارات، لا يترك أدنى هامش للتعويل على الجهود الأميركية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال وجوده في نيوريورك.
ذلك أن نتنياهو أعلن تكراراً “أننا سنواصل ضرب “حزب الله” بكل قوتنا حتى نعيد سكان الشمال إلى منازلهم”. وقال عقب وصوله إلى نيويورك: “سياسة إسرائيل واضحة ولن تتوقف حتى يعود سكان الشمال”. وكان مكتبه نفى تقارير بشأن إصداره أوامر بتهدئة الهجمات في لبنان. وأعلن نتنياهو أنه “أصدر تعليمات للجيش بمواصلة القتال بكامل قوته”، مشيرًا إلى أنه لم يقدّم أي رد على الاقتراح الأميركي- الفرنسي لوقف إطلاق النار. ونقل موقع اكسيوس عن مسؤول في وفد نتنياهو إلى نيويورك “التقدير أننا لن نتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان وسنواصل القتال”. ونقل الموقع عن مسؤولين أميركيين أنه كان من المفترض أن يرحب نتنياهو من نيويورك باقتراح وقف اطلاق النار لكنه غيّر رأيه.
كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن بدوره “أننا سنواصل استهداف تشكيلات “حزب الله” وقدراته العسكرية والعمليات الهجومية ضده ستستمر ولا تزال هناك مهام إضافية يجب إنجازها في الجبهة الشمالية” وهو صادقَ على مواصلة العمليات الهجومية في الجبهة الشمالية.
وأفادت معلومات أنّ المندوب الإسرائيليّ أبلغ الجميع في نيويورك، بوضوح أنّ العملية على لبنان لن تتوقف وأنّ لدى إسرائيل تعليقات كثيرة على الاقتراح الأميركيّ. كما أن وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أبلغ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بأن إسرائيل مستمرة في حربها في لبنان ولن توافق على المقترحات المقدمة لإسرائيل.
الموقف اللبناني
وفي المقابل، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الموجود في نيويورك “القيام بكل ما يلزم لحماية لبنان، وإنجاز المساعي التي حصدت تأييداً عربياً ودولياً لموقف لبنان”. وقال إن “العبرة الآن بالتنفيذ، أي بالتزام بنيامين نتنياهو البيان الأميركي – الفرنسي، لأنه سبق أن رفض أكثر من مبادرة سواء جاءت من وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أو من مجلس الأمن أو من الجانب العربي”. وختم: “ما ينبغي القيام به قمنا به، أما الباقي، فليس في أيدينا”.
وكان سبق لميقاتي أن عبّر عن ترحيبه بالنداء المشترك الصادر بمبادرة من الولايات المتّحدة الأميركية وفرنسا، وبدعم من الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، لإرساء وقف موقت لإطلاق النار في لبنان” وقال: “تبقى العبرة في التطبيق عبر التزام اسرائيل تنفيذ القرارات الدولية”.
اليوم الرابع
في غضون ذلك برزت فداحة تداعيات اليوم الحربي الرابع من الحرب إذ سجل رسمياً حتى الساعة السادسة مساء أمس حوالى 115 اعتداء في مناطق مختلفة من لبنان أدت الى سقوط 60 شهيداً و81 مصاباً وفقاً للبيانات المتلاحقة التي تصدر عن وزارة الصحة. ولا تعتبر هذه الأعداد نهائية إذ تواصلت الغارات مساءً. وأغار الطيران الإسرائيلي عصراً على شقة سكنية في مبنى من عشر طبقات في حي القائم، عند تقاطع حي الرويس في الضاحية الجنوبية، حيث تعج المنطقة بالشقق السكنية والمارة، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف قائد وحدة المُسَيَرات في “حزب الله” محمد سرور الملقب بـ”ابو صالح” فيما أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه تم تنفيذ عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية بطائرة “إف 35”. ولكن مقتل سرور لم يتأكد فيما سجل سقوط شهيدين وخمسة جرحى في الغارة.
وتواصلت الغارات العنيفة جنوباً وبقاعاً متسببة بدمار وسقوط شهداء وجرحى. والجديد تمثل في ضربات هي الاولى استهدفت المعابر الحدودية مع سوريا في البقاع الشمالي. وأعلن وزير النقل علي حمية عن قصف إسرائيلي على معبر حدودي بين لبنان وسوريا من الجانب السوري للحدود، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف نقطة حدودية تستخدم كممر للسلاح من سوريا إلى “حزب الله”. ووصفت الليلة الفائتة بالأعنف في فصول الهجمات الإسرائيلية على بعلبك، مدينة وقرى، وسجل سقوط الشهداء والجرحى بالعشرات. واستهدفت الغارات بلدات النبي عثمان والنبي شيت وسرعين وبلدات القصر وحوش السيد علي الحدودية في قضاء الهرمل. وسجلت غارات على جرد كفرزبد وقوسايا في البقاع. وشهدت بلدة يونين استهداف مبنى مستأجر من عمال سوريين بالقرب من محطة الوقود على الطريق الدولية بحيث سجل مقتل أكثر من عشرين عاملاً سورياً. وسجلت غارة عنيفة على الطيبة في مرجعيون وعلى منزل في عدلون وعلى البساتين في الخرايب وعلى مرتفعات بلدة عرمتى ومحيط بلدة بلاط وعلى عدلون وانصارية وشوكين ووادي زفتا. وقصف الطيران الحربي الإسرائيلي منزلاً في محيط قصر الأسعد سابقاً عند النبطية الفوقا. واستهدف الطيران الحربي الإسرائيلي مرتين محيط منزل النائب ناصر جابر في منطقة كفرجوز – النبطية.
في المقابل، كثّف “حزب الله” ردوده الصاروخية واستهدف مستوطنتي كريات شمونة وروش بينا في الشمال الإسرائيلي ثم قصف مستعمرة كريات موتسكين بِصليات من الصواريخ. واعلن أيضاً قصف مجمعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا وقصف كريات شمونة مجدداً بصليات من صواريخ فلق 2″. وأعلن “التصدي لطائرتين حربيتين معاديتين قادمتين من البحر باتجاه عدلون وأجبرناهما على مغادرة أجواء لبنان”. ومساء أعلن الحزب أنه قصف مدينة صفد بـ80 صاروخا.
في المواقف الداخلية من التطورات، شدد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل على أن “أرواح اللبنانيين ليست ورقة تفاوض بيد أحد، فهذه الحرب دمّرت لبنان وهي من دون جدوى لأنها لم تخفف أبداً عن غزة”. ودعا “حزب الله” إلى وقف حرب الإسناد فوراً وتسليم سلاحه إلى الجيش اللبناني والالتزام بتطبيق القرارات الدولية وانتخاب رئيس”، معتبراً أنه “حان الوقت لاختيار وحدة المسار مع الشعب اللبناني”. وقال: “أوقفوا هذه الحرب العبثية فحياة اللبنانيين ليست أقل قيمة من حياة السوري واللبناني والإسرائيلي”. وأشار إلى أن “النازحين من الجنوب موجودون في كل لبنان، وعلى الدولة اللبنانية ضبط أي تجاوزات وقلبنا على جميع الناس”، لافتاً إلى أن “إسرائيل تقصف من دون تمييز، وبيدنا القرار بوقف الحرب وعدم تحويل لبنان إلى غزة”.
النهار