رجال ترامب هم رجال إسرائيل!
تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي في واشنطن هذا الأسبوع إنّ هناك خمسة مبادئ تحكم سياسات ترامب المقبلة، وبالتالي تسميته لأركان فريقه الرئاسي، وهي:
1- للداخل الأميركي الأولويّة المطلقة على الخارج.
2- تحكم السياسة الخارجية قاعدة cost and revenue، أي الأكلاف والأرباح، وهو منطق الربح الرأسمالي، بمعنى أنّ الولايات المتحدة لن تموّل أيّ مشروع (في) يختصّ بالسياسة الخارجية وحدها، ولن تموّل مشروعاً ليس له أيّ مردود داخلي للتأثير السياسي على الداخل.
3- لإسرائيل أولوية مطلقة لأنّها تعتبر من أكثر القوى الداخلية الداعمة لإدارة ترامب: القوّة الأولى اللوبي الأميركي – الإسرائيلي (إيباك)، والثانية الأهمّ هذه الأيّام هي التيار الإنجيلي – الصهيوني الذي يضمّ 62 مليون صوت انتخابي في الحزام الإنجيلي.
4- أولوية ترامب الأولى هي استكشاف مسار للحوار في الأزمة الأوكرانية – الروسية وفتح قناة سياسية بين روسيا وأوكرانيا مع هدنة سريعة لوقف إطلاق النار على الحدود الحالية، والملفّ الإيراني.
5- مُنح نتنياهو ضوء أخضر لاستكمال عملياته العسكرية في غزة وجنوب لبنان من أجل “تنظيف وتطهير”، على حدّ الوصف الأميركي، أذرع إيران في لبنان وغزة واليمن وسوريا، ليؤدّي ذلك كلّه إلى ظرف مناسب من القوّة للطرف الأميركي – الإسرائيلي تقابله حالة ضعف وتهشيم لإيران وإقصائها.
عند الوصول لهذا الوضع المتفوّق أميركياً يمكن لإدارة ترامب أن تفاوض إيران، لكن من دون ذلك لا مفاوضات ولا مقايضات ولا إفراج عن أرصدة ولا تخفيف لعقوبات، بل سيتمّ تشديدها.
خيارات ترامب تدلّ على توجّهاته المقبلة
قال لي دبلوماسي خليجي خبير بالشأن الأميركي: “أيّ رئيس أميركي، جمهورياً كان أو ديمقراطياً، يختار فريقه من المسارين الأساسيَّين ممّن يشبهون سياسته تماماً”.
يضيف: هذه الخيارات يمكن أن تستند إلى 3 أمور رئيسية:
1- هل يكون تركيز الرئيس على السياسات الانعزالية أو العولمة؟
2- أيّ تيّار من حزبه هو الأكثر قرباً إليه (اليمين الوسط، اليسار)؟
3- خلفيّة الأشخاص الذين تتمّ تسميتهم للسياسات العامّة، (وبالذات) وتحديداً في الخارجية، هي التي تحدّد هويّتهم… مثلاً أن يكون متشدّداً ضدّ الصين، أو متضامناً مع اسرائيل، أو معارضاً لإرسال سلاح إلى أوكرانيا. هذه المواقف المسبقة توضح مسار الرئيس مع فريقه، كما يقول الدبلوماسي الخليجي.
هنا نسأل نحن عمّا يشغلنا بالدرجة الأولى عن خلفيّات الفريق الذي سوف يوثّر في العلاقات الخارجية لإدارة ترامب، وبالتالي على منطقتنا وصراعاتها الملتهبة بالتحديد ما هي خلفيات من تمت تسميتهم:
1- مستشار الأمن القومي.
2- وزير الخارجية.
3- رئيس المخابرات المركزية.
4- وزير الدفاع.
5- السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل.
من اختار ترامب؟
1- في الخارجية: اختار السيناتور ماركو روبيو (53 سنة) المعروف أنّه من المتشدّدين ضدّ الصين ومن الأنصار المحبّين لإسرائيل.
يذكر أنّ روبيو كان ضمن قائمة المناصرين الجمهوريين في الاختيارات التمهيدية للحزب، ومنافساً عام 2016 على الحصول على تسمية الحزب في انتخابات الرئاسة، وكان في ذلك الوقت شديد الانتقاد لدونالد ترامب متشكّكاً في صلاحيّته للترشّح. عام 2020 بدأ روبيو يسعى بقوّة إلى الحصول على حقيبة الخارجية.
2- في منصب المخابرات المركزية: اختار ترامب جون راتكليف الذي شغل سابقاً منصب مدير المخابرات الوطنية.
3- في منصب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل اختار ترامب مايك هاكابي حاكم أركنساس السابق، المعروف عنه إيمانه المطلق بالصهيونية العالمية، ورفضه التامّ لمشروع الدولتين في فلسطين، وإيمانه الديني المسيحي المتشبّع بالفكر اليميني للكنائس الإنجيلية التي تؤمن بضرورة قيام دولة إسرائيل حتى يعود المسيح مرّة أخرى.
يؤمن هاكابي إيماناً مطلقاً بأنّ المستوطنين الإسرائيليين ليسوا محتلّين بل أصحاب حقّ أصيل في الأرض العبرانية تاريخياً ودينياً!
4- اختار ترامب ستيفن ويتكوف مبعوثاً خاصّاً لواشنطن في الشرق الأوسط. وهو صديق شخصي ومقرّب للغاية منه. وهو أيضاً رجل أعمال وثريّ من كبار أصحاب المشاريع الخيرية في الولايات المتحدة. والرجل شريك ورفيق ترامب في لعبة الغولف، وكانا معاً في الملعب “بالم بيتش” حينما اكتشف الأمن محاولة لاغتيال ترامب.
5- اختار ترامب مايك والتز مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض. الرجل أوّل عضو ذي خلفيّة عسكرية من القوات الخاصّة (القبّعات الخضر سابقاً)، وعضو في اللجنة الخاصّة للجيش بالكونغرس، وينتظر أن تكون لديه ملفّات الحروب في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية.
6- اختار ترامب إيليس ستيفانيك مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. وهي معروفة بتشدّدها وتطرّفها القومي في جلسات استجواب الكونغرس في قضايا الشؤون الخارجية.
الولاء والتّشدّد الفكريّ
هنا لا بدّ من التأكيد أنّ معظم هذه المناصب العليا تحتاج إلى تصديق وموافقة الهيئة التشريعية بعد جلسات استماع وتصويت بالمصادقة أو الرفض على قبول من اختاره الرئيس.
يتّضح من كلّ هذه الأسماء أنّ مسألة الولاء للرئيس والتشدّد الفكري والاتّجاه اليميني والتعاطف الشاكل والمطلق مع إسرائيل هي صفات مشتركة.
هؤلاء لن يواجهوا عقبات في التصديق عليهم، لكن يتوقّع أن تظهر اعتراضات على مناصب العدل والمدّعي العامّ والصحّة والدفاع.
أمّا إيلون ماسك فلن يخضع للتصديق، فقد تمّ تعيينه في هيئة خاصّة لترشيد الهجرة.
خلفيّات هذا الفريق قولاً وفعلاً، قبل أو بعد 7 أكتوبر الماضي، تصبّ كلّها وبقوّة شديدة في مصلحة إسرائيل وسياساتها.
تابعت بعض السفارات العربية في واشنطن هذه التسميات وسط تساؤل كبير: هل هذه الخيارات هي ضمانة لإسرائيل حتى يمكن نفسيّاً تسويق أفكار التسويات؟ أم دعم مفتوح فيه ضوء رئاسي أخضر لن ينطفئ طوال الولاية الرئاسية المقبلة؟
مع دونالد ترامب يصعب جدّاً التكهّن بخلاصات نهائية ومحدّدة.
هذا هو الدرس المهم الذي نستخلصه من محاولة فهم تعاون الفعل ورد الفعل لدى هذا الرجل. باختصار رجال ترامب هم رجال إسرائيل.
عماد الدين اديب أساس ميديا