اتساع الهوة بين الحريري وباسيل
أقرّ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أمس الأول بتكبيل توليد الحكومة لكنه لم يشر الى الجهة أو الجهات المسؤولة. اكتفى بالتساؤل عن موعد “تخريج التشكيلة” ورميه على مسرح مثقل بالمعارك السياسية يضم نادٍ فيه اعضاء وساسة خبيرون بوضع الرأس في الرمال.
يعني كلامه ان هناك تشكيلة لكنها تقبع في الأسر، فأين وكيف هي؟ لا جواب. حسناً فعل الرئيس المكلّف بإعلان هذا الاكتشاف العظيم، لكن السهام التي أطلقها وعلى قصر حالها، تطاوله هو ايضاً كأحد المعرقلين للتخريجة.
في المقابل، هناك أحصنة تأبى أن تبقى هادئة أو تتخلى عن خلق التوترات المتنقلة، وهي تتقصد وتختار إطلاق الرمايات العشوائية عبر خلق اشتباكات ومناكفات ومناكدات وقضايا واشكاليات والدخول في معارك افتراضية – سياسية تبدو كأنها مقصودة في فترة تقاسم المغانم، في تزامنها وتراكمها، وان لها اهدافاً في غير ما تحمل.
يستدعي كل ذلك “قرف” في عين التينة، لم يخجل الرئيس نبيه بري في تسميعه وابلاغه لمن زاره في الأيام الماضية، ناقلين عنه حدود الكفر مما آلت اليه الأمور التي تغرق في السلبيات كلما زادت ايام التكليف عمراً.
“لا مستجدات استثنائية على مستوى التأليف” هي خلاصة يبوح بها عاملون على خط التكليف من دون تردد، موزعين ان لقاءات الحريري الاخيرة مع رؤساء البرلمان نبيه بري والحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية سمير جعجع “لم تعطِ تعديلاً أو تقدماً يذكر على صعيد فكفكة العقد ودفع التأليف، وكانت أقرب الى اجواء تبريد منها الى تشكيل”. ولو كانت الامور عكس ذلك لكن ختم الاجواء التي سعى اليها بزيارة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وعلى عكس ما يجري تداوله عن أن لقاءات الحريري حملت بلورةً لصيغة توزير جديدة يجري تنقحيها كي يصار الى نقلها لقصر بعبدا، تؤكد مصادر شاغلة على خط التأليف أن الرئيس الحريري ما زال عند التصور الاول الذي قدمه للرئيس عون قبل سفره في عطلته”، لكن “لا مانع من ادخال تعديل على صيغة توزيع الوزراء في حال تطورت النقاشات”.
وتعطي نموذجاً أن حصر التأليف برؤية الرئيس المكلف هي ثابتة لا رجوع عنها بدليل تجاوز مسودة الحكومة من 32 وزيراً التي باتت في مصاف الساقطة لمصلحة تثبيت دعائم تشكيلة 30 وزيراً المنحصر اهتمام الرئيس المكلف ضمنها، وهذا ينسحب تدريجياً على اسقاط الصيغ الصغرى من 24 و26 وزيراً والتي جرى رفعها وترويجها.
وما يعد لافتاً ظهور التواء في مسار العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيّار المستقبل، إذ تعمّد القيادي مصطفى علوش في اليومين الماضيين إعلان “معارضات زرقاء” على حصة رئيس الجمهورية ثم توجيه نقد لشخص رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وهو ما فسر على انه ينطوي على عتب شديد بين الجانبين بات من الصعب اخفاءه، ويمكن ان يحمل شبه أزمة تنعكس مزيداً من الترهل على عملية التأليف.
وتذكر مصادر متابعة كيف أن الرئيس الحريري التقى كل من بري وجنبلاط وجعجع كمعنيين في عملية التأليف ولم يدرج على جدوله لقاء واحداً مع الوزير باسيل مع العلم انه معني رسمي ومباشر بالعملية، في أمر فسر على انه “تقصد وتعمد تجاهل يتضمن رسائل واضحة” لم تستقبلها دوائر التيار البرتقالي بـ”حسن نيّة”.
ولا يبدو ان المستقبل كتيار بعيد عنها إن اخذ الاستدلال على المواقف كمعيار. فهناك من بدأ يتحدث عن “هوّة تتوسّع بين باسيل والحريري” بالاستناد الى فلتات لسان باسيل الذي أعلن في وقت سابق اننا “غير مستعجلين تشكيل الحكومة” ما دل على عدم تمسك بالتكليف، والتي استتبعت بفلتات مقابلة مصدرها علوش وأخرى حملها نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي.
ومن المتنظر ان يستكمل الحريري مشاوراته، ومن غير المعلوم ما إذا كانت ستشمل باسيل او ستتجاهله كما المرة الاولى. ويتردّد أن الحريري قد يلتقي وفداً من حزب الله لسماع رأيه.
وعلى خط الاطراف الباقية ليس الوضع أفضل حالاً. فالتحرك المطلبي الذي يقوم به النواب السّنة من خارج المستقبل سيشهد تصعيداً مع بلوغ المشكل مرحلة العقدة، وهو أمر حذرت منه مصادر تشتغل على خط التأليف نقلت عن معنيين أنهم “وضعوا الحريري بصورة ما سيترتب عن الاستمرار برفض مطالب السنة المعارضين”.
وعلى مستوى العقدة المسيحية، تبدو الامور تراوح مكانها حتى الآن، لكن الجديد ما طرأ في الساعات الماضية حول مسعى كنسي يقوم على فك الارتباط بين الخلاف القواتي – العوني وبين عملية تشكيل الحكومة. ما يسهم في تسويق هذه القاعدة هو دخول خط التبريد على العلاقة مرحلة التنفيذ، مما سيسمح للحريري بقطع شوط نحو تنقيح مسودته على أمل عرضها على الرئيس مطلع الاسبوع المقبل.
ولدى حزب الكتائب اللبنانية، تبدو معلومات المصادر ان الصيفي اسقطت من بالها فكرة التوزير وباتت المصادر المحسوبة عليها تروج لأفضلية البقاء في الخارج.
في المقابل، وإن ظهرت أطراف محسوبة على 8 آذار على انها تعرقل، لا يبدو الامر كذلك عند حزب الله الذي أسر قنوات رسمية فيه لشخصيات تتواصل معها حول عملية التأليف، أنها “مع حكومة سريعة وعلى تفاهم مع الحريري لكنها لا تفهم اصراره المستمر على نكران حق البعض في التوزير”.
وفي معلومات “ليبانون ديبايت” أن الحزب ثبت حصته من 3 وزراء حزبيين، واحد من الجنوب وآخر من البقاع وثالث من الضاحية الجنوبية. أما مسألة الحقائب، سيجري بحثها عند حلول موعد اسقاط الاسماء عليها.
عند هذه الحدود وفي ضوء كل ذلك، خرج قبل أيام مرجع رسمي ليردّد امام زوار التقاهم أن “لا حكومة أقله خلال تموز والله أعلم”.
ليبانون ديبايت