فكر فيها ! بقلم نقولا أبو فيصل
تقول الكاتبة البريطانية الراحلة أغاثا كريستي “لا يستوعب المرء اللحظات ذات الأهمية الحقيقية فى حياته إلا عندما يكون الأوان قد فات”. وتعتبر كلماتها وصفًا دقيقًا للتجربة الإنسانية ، فكثيرًا ما نعيش اللحظات المهمة غارقين في تفاصيلها وغير مدركين قيمتها الفعلية . وتمر هذه اللحظات وكأنها مشاهد عابرة حتى نتوقف لاحقًا لاسترجاعها بعيون النضج أو الندم ، ولندرك حينها كم كانت محورية في تشكيل مسار حياتنا . وهذه دعوة لكم أصدقائي للتأمل في الوقت والتفاعل مع الحاضر بأعتباره كنزاً لا يتكرر .
في لبنان تبدو كلمات كريستي أكثر واقعية مع تعاقب الأزمات التي طغت على حياة المواطن من الكهرباء إلى الاقتصاد ومن الحروب إلى الكوارث، وهكذا عاش اللبنانيون حياتهم لسنوات طويلة وهم يركضون خلف البديهيات مثل الأمن والاستقرار دون إدراك كامل لأهمية اللحظات الصغيرة التي كانوا يمتلكونها يومًا حيث كانوا يجتمعون فيها حول مائدة أو يضحكوا بلا هموم . هذه اللحظات التي ضاعت بسبب تعاظم أعباء الحياة ، وتفرق العائلات بفعل الهجرة ، وباتوا ينظرون إليها بحسرة متمنين عودتها ولو لدقائق معدودة .
من هنا، يأتي الدرس بأن نستوعب أهمية اللحظات ونحن في خضمها . فالمواطن اللبناني رغم المآسي يُظهر دائمًا قدرة مذهلة على تحويل المحن إلى فرص والتحديات إلى أمل . وكل ما يحتاجه المواطن الادمي في لبنان اليوم ليس فقط أن يعي لحظات الفرح أو التحدي، بل أن يستثمرها لبناء مستقبل واعد . فالأوان قد يقترب من فواته، لكن الإدراك الحقيقي للموقف ولو متأخرًا قد يكون الخطوة الأولى للنجاة . كريستي لم تُخطئ: اللحظات التي نعيشها الآن قد تكون أغلى مما نتصور دعونا نمنحها حقها .
نقولا ابو فيصل كاتب ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع
Nicolas Abou Fayssal