
خمسون عاماً على الزلزال ! د.مروان ابو لطيف*

كتب الدكتور مروان ابو لطيف تحت عنوان “خمسون عاماً على الزلزال”!
بات متفقاً عليه أن ١٣ نيسان عام ١٩٧٥ هو ذكرى بداية الحرب الاهلية في لبنان . لكن مقدماتها والظروف المهيئة لها بدأت قبل ذلك بسنوات ، وتخللها صراعات كثيرة وحروب صغيرة مهدت للحروب الكبيرة . وقد يكون اكثر دقة تسميتها بالزلزال ، لما سبقها من تحركات للفوالق ، وتبعها من هزات ارتدادية لا تزال تسمع حتى اليوم . هي لم تكن حرباً اهلية بالمعنى الحرفي للكلمة ، وإن كانت في بعض مراحلها كذلك ،كما أنها لم تكن حرب الآخرين على لبنان ، مع أنها كانت وبلا شك كذلك . كانت خلطة من الجحيم المتعدد المصادر ، توسعت خلالها الصراعات وتبدلت التحالفات وتشعبت التداخلات والتدخلات ، حتى لتبدو كأنها مرحلة من سياق بدأ قبل ذلك بكثير ، وسيستمر الى أجل غير معلوم !
في كل الاحوال ، اليوم وفي هذه الذكرى الأليمة والمشؤومة ، يجب ألا ننسى أن هذا الزلزال ادى الى دمار هائل في النسيج الاجتماعي اللبناني بالدرجة الاولى ، وفي البيوت والممتلكات والبنى التحتية ، وقبل وفوق ذلك حصد ضحايا بمئات الآلاف من قتلى وجرحى ومعوقين ومفقودين ومهاجرين ومهجرين ومرضى نفسيين ، وزد عليهم ما تبقى من اللبنانيين بصفة الغلابى والمغلوب على امرهم .
لكن الضحية الأكبر لذلك الزلزال المشؤوم كانت ولا شك … الدولة !
ويجب علينا كذلك ألا ننسى أن ما وصلنا اليه من بؤس وتخلف كان تراكماً تدريجياً لمفاعيل تلك الحرب او ذلك الزلزال …
ثم لا يجوز أن يُقرأ ١٣ نيسان دون اللوحة الاقليمية التي بدأت بتقسيمات سايكس -بيكو ، وقيام دولة لبنان الكبير ، وبقية الدول حواليها( وهي كانت في الواقع اشباه دول سواءً اثناء الانتداب أو بعده ) ، ودون عامل قيام اسرائيل عام ١٩٤٨، وتهجير قسم من الفلسطينيين الى لبنان ، ودون هزيمة ١٩٦٧ وتهجير قسم آخر منهم اليه ، تمهيداً لدخول العامل الفلسطيني بقوة بعد اتفاقية القاهرة ، التي أسست لنهاية الدولة ، وما تبع تلك الاتفاقية من تداعيات .
كما لا يجوز أن يقرأ ١٣ نيسان خارج الاهتزازات الدائمة للفوالق الزلزالية في الاقليم ، والمستمرة حتى اليوم ، ولا خارج التركيبة المستحدثة للنسيج الاجتماعي اللبناني الناشئ عام ١٩٢٠ ، وما تبعها من تسويات طائفية ومذهبية وعشائرية ، من ميثاق ال ١٩٤٣ وصولاً حتى اتفاق الطائف ، الذي أعلن نهاية تلك الحرب الاهلية ، ولكنه لم يؤسس لإنهاء جذورها ومفاعيلها ، ولا لمعالجة تداعياتها ، التي لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم .
اما النتائج التي وصلنا اليها بعد كل ذلك ، فهي بحاجة لكثير من التبصر في قراءتها وتشريح اسبابها لتلافي تكرارها في المستقبل ، وهذه مهمة صعبة وشاقة ، خاصةً في هذه الظروف العصيبة التي يعيشها جيلنا العاثر الحظ .
أين دور الاعلام في ذلك ؟ أين دور المدارس والجامعات ؟ أين دور الاحزاب والجمعيات ؟ أين دور المؤسسات الدينية ؟ أين دور المجتمع المدني ؟ أين دور السياسيين؟ أين دور الكتاب والمفكرين والنخب في تلك القراءة ؟
للأسف لا شيء يشجع في الآونة الاخيرة على التفاؤل .
وعليه ، لا يبقى لنا إلا القول ككل الغلابى في هذا الوطن : تنذكر وما تنعاد !
مروان ابو لطيف
*طبيب وكاتب