
نقولا أبو فيصل يكتب “حين يحب القلب قلباً يتحوّل القلم إلى مرآة”


كثيراً ما نسمع القول الشعبي العميق: “حين يحب القلب قلباً، لا تبصر العين عيباً.” وهذه الكلمات تختصر واقعاً نعيشه جميعاً، فحين يغمر الحب عيوننا بسكينة الرضا تصبح عيوب من نحب تفاصيل هامشية، أو حتى مزايا خفيّة تزيد من فرادة حضورهم في حياتنا. فالحب، في جوهره، طاقة قادرة على تحويل النظرة من ظاهر الأمور إلى أعماقها، فيعلّمنا التسامح مع الهفوات الصغيرة، ويزرع في قلوبنا الرغبة في احتضان الإنسان بكل ما فيه.
وحين يخفق القلب بصدق، نصبح أكثر ميلاً إلى الغفران، ونرى في من نحب انعكاساً لأجمل ما فينا. غير أن للحب وجهاً آخر قد يورّط صاحبه في مطبّات خفية؛ فالإفراط في التغاضي قد يجعلنا نُعمي أعيننا عن إشارات تحذيرية لا يجوز تجاهلها. وفي لحظات الاندفاع العاطفي قد نتغافل عن مؤشرات واقعية تهدّد استمرارية العلاقة، أو حتى سلامتنا النفسية والعاطفية. وهنا، يتحوّل الحب إلى عمى فعلي يفقدنا القدرة على التقييم الموضوعي. ومن هنا، تكمن الحكمة في الاعتدال.
فالحب الناضج لا ينفي وجود العيوب، لكنه يحتضنها من دون إنكار. هو ذاك الحب الذي يرى الحقيقة بوضوح، ويظل متمسكاً بالمودّة رغم كل شيء. حبّ لا يُغمض عينيه عن الواقع، بل يفتحهما ليقدّر الجمال الحقيقي في تفاصيل النقص قبل الكمال. وفي نهاية المطاف، لعلّ أجمل العلاقات هي تلك التي تجمع بين القلب المُبصر والعين المُحبة: أن نحب من القلب، ونراهم بعين المحبة، ونسير معهم في الحياة لأن كل ما فيهم يُشبهنا… نحبهم بعيوبهم قبل مزاياهم، وبصدق لا يخجل من النقص، بل يحتضنه. ومع كلمات الكاتب الروسي أنطون تشيخوف اختم : “إذا كنت لا ترى أي عيوب في شخص ما ، فقد وقعت في الحب أيها المغفل.”
نقولا أبو فيصل ✍️
Nicolas Abou Fayssal
اتحاد الكتاب اللبنانيين
https://www.nicolasaboufayssal.com
