الألقاب في لبنان.. بقلم نقولا أبو فيصل

في لبنان، لا تزال الألقاب تسبق الأسماء، ولا يزال كثيرون يتشبّثون بألقابٍ متوارثة، وكأنها صكوكُ خلود: “فخامة”، “معالي”، “سعادة”، “سيادة”، و”عطوفة”. وهي كلّها مصطلحات تنتمي إلى قاموسٍ يعود إلى قرونٍ مضت عندما كانت الألقاب تصنع الهيبة وتفصل بين العامة و”النخبة”. أما في بلادنا، فقد تحوّلت هذه الألقاب إلى ديكورٍ سياسيّ وإداريّ، يُجمّل الوجوه ويُخفي عورات المسؤولين. وها نحن نستخدمها يوميًا بقدرٍ من التملّق، أو العادة، أو الخوف؛ لا من باب التقدير الحقيقي، بل من منطقٍ فاسد يعادل بين اللقب والاحترام، وينسى أن الاحترام يُولَد من الأداء لا من الكرسي.

والأسوأ أنّ بعض هذه الألقاب يبقى ملتصقًا بأصحابه حتى بعد انتهاء ولايتهم الوظيفية، وكأنّ المنصب إرثٌ شخصيّ لا وظيفة عامة. وهكذا، يصبح الوزير وزيرًا إلى الأبد، والنائب نائبًا مدى الحياة، ولو غاب عن البرلمان ولم يُنجز اقتراح مشروع قانون واحد، بل ملأ صفحات التواصل الاجتماعي بعشرات الصور لزياراته اليومية وحضوره الولائم. في المقابل، ألغت معظم دول العالم المتطوّر الفوارق الشكلية، وصارت العظمة تُقاس بالكفاءة والنزاهة، لا بعدد المرات التي يُردّد فيها اللقب في الإعلام والمراسلات. من هنا، دعوتي إلى التحرّر من هذه التقاليد البالية. فلبنان الذي نحلم به لا يحتاج إلى منظومة ألقاب، بل إلى منظومة قيم.

سيدي الرئيس، المطلوب إعادة النظر رسميًا في اعتماد هذه التسميات داخل الخطاب الرسمي، وفي طريقة مخاطبة المسؤولين في الإعلام والمراسلات العامة. فالاحترام لا يُفرض بكلمة، بل يُنتزع بالفعل. وإن كنا نريد جمهورية حديثة، فلنبدأ من هنا: من خطابٍ ينحاز إلى الناس لا إلى المناصب، إلى صدق الكلمة لا زخرفتها، إلى جوهر الوظيفة لا لقبها. نريد جمهورية حديثة تنحني أمام العطاء، وتحذف من قاموسها ما لم يَعُد يعني شيئًا… لأن لبنان ليس مسرحًا للألقاب، بل ورشة خلاصٍ تحتاج إلى لغة جديدة، ورجال جدد، ومفردات تُشبه الناس… لا تعلو عليهم.
نقولا أبو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com