كتب نقولا أبو فيصل “بشير لم يكن عابراً في تاريخ لبنان”!

فكر فيها !
بشير لم يكن عابراً في تاريخ لبنان …
في الرابع عشر من أيلول من العام 1982 توقّف الزمن عند لحظة اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميّل. الرئيس الذي لم تُتح له فرصة أن يحكم، لكنه حمل معه مشروع دولة حقيقية، سيّدَة على أرضها، متحرّرة من كل وصاية، قوية بجيشها وشعبها. لم يُغتل رجل فحسب،بل اغتيل حلم بكامله وسقطت معه فرصة ولادة وطنٍ جديد، وطنٍ حلمنا به حرّاً وسيّداً على أرضه. بشير لم يكن عابراً في تاريخ لبنان، بل كان مشروع دولة حقيقية، يرفع راية السيادة والتحرير كحقّ لا يُساوَم عليه. يومها شعرنا أننا متنا معه، لأنّ الحلم خُنِق قبل أن يرى النور. كما شكّل لحظة وعي جماعي بأن الأوطان لا تُبنى بالتسويات الهشّة ولا بالتبعية، بل بالقرار الحرّ والإرادة الصلبة. وكلماته يومها كانت صدى لوجع اللبنانيين: “لا دولة بغير سيادة، ولا سيادة بغير تحرير كامل للأرض.”
بالنسبة إلى بشير، السيادة لم تكن شعاراً بل التزاماً أخلاقياً وسياسياً وجوهر الوجود اللبناني. كان يؤمن أن لا دولة بلا سيادة، ولا سيادة بلا تحرير كامل لكل شبرٍ من الأرض. ولطالما ردّد: “لبنان وطن حرّ سيّد مستقل، لا يقبل أن يكون ساحة لصراعات الآخرين ”خطابه الدائم كان دعوة إلى بناء مؤسسات قوية، وجيش موحّد قادر على الدفاع عن حدوده. وفي أكثر من مناسبة كان يقول: “السيادة ليست منّة من أحد، بل حقّ طبيعي لشعب يريد أن يعيش حرّاً.” هذا الإيمان جعله رمزاً لفكرة الدولة الحقيقية، حيث لا سلاح إلا سلاحها ولا قرار إلا قرارها.كان صوته يختصر وجع الناس وإصرارهم على أن لبنان يستحق أن يكون أكثر من دويلات الطوائف، يستحق دولة قوية لا سلطان عليها إلا سلطان القانون.
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على غياب بشير ، يبقى الحلم حيّاً في الوجدان. لم يمت، بل تبدّل شكله ليتجسّد في مسيرة بناء الدولة التي نطمح إليها. وإذا كان اغتياله قد أوقف الحلم لحظةً، فإنّ الحلم نفسه لم يمت. بل لا يزال حيّاً في وجدان اللبنانيين الذين يتطلّعون إلى دولة قادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها. وكأنّ كلمات بشير تتردّد اليوم من جديد: “لبنان أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم.” ومع جرأة فخامة الرئيس جوزاف عون نشهد بداية حلم جديد، حلم يستعيد نهج بشير في السعي إلى دولة ذات سيادة كاملة على كل أراضيها، وجيش واحد يحميها وقرار وطني لا يُملى من الخارج. نعم، في 14 أيلول اغتالوا الحلم، لكن لبنان اليوم يعيش الوعد المتجدّد: أن يكون حرّاً، سيّداً، مستقلاً. اليوم نكتشف أنّ استعادة الدولة تبدأ من حيث توقّف بشير: التحرير والسيادة والقرار الحرّ.
نقولا أبو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com
Lebanese Presidency












