كتب نقولا أبو فيصل”الرموز في حياة الشعوب من البابوج إلى الطربوش”

فكر فيها !
الرموز في حياة الشعوب من البابوج إلى الطربوش
لا يقتصر تاريخ الشعوب على الأحداث السياسية أو التحولات الاقتصادية فحسب، بل يشمل أيضاً رموزاً مادية بسيطة شكّلت يوماً ما ملامح الحياة اليومية.
من بين هذه الرموز، برز البابوج والطربوش كعلامتين فارقتين في الذاكرة الشعبية للمشرق العربي، حيث ارتبط الأول بالراحة والبساطة، والثاني بالهيبة والوجاهة. البابوج هو حذاء شرقي مصنوع من الجلد الطبيعي، كان رمزاً للبيت العربي ولأسلوب الحياة المتواضع. صُنع بعناية يدوية وزُيّن أحياناً بخيوط ملونة أو تطريزات بسيطة فجمع بين الراحة والجمال. البابوج لم يكن مجرد قطعة لباس، بل كان شاهداً على تفاصيل الحياة اليومية: مجالس السهر، الأسواق القديمة، والممرات الحجرية في الأحياء العتيقة. أما الطربوش، الذي عُرف بلونه الأحمر القاني وشكله الأسطواني مع الشرابة السوداء، فقد شكّل رمزاً للرجولة والوجاهة الاجتماعية. كان يُرتدى في المناسبات الرسمية كما في الحياة اليومية، ورافق صور السياسيين والعلماء والأدباء. الطربوش حمل معنى الانتماء إلى هوية حضارية، حيث مثّل العزة والاعتداد بالنفس، قبل أن يتراجع حضوره مع تبدّل أنماط اللباس في العصر الحديث.
الانتقال “من البابوج إلى الطربوش” ليس مجرد انتقال بين لباس القدم والرأس، بل هو رحلة بين رمزين متكاملين في تشكيل صورة الإنسان المشرقي. البابوج ظلّ أقرب إلى بساطة العيش ودفء البيت، بينما الطربوش ارتبط بالهيبة العامة ومكانة الرجل في المجتمع. ورغم انحسار استخدامهما اليوم، إلا أنهما ما زالا يملكان مكانة في التراث والفولكلور، ويستحضرهما الناس في المهرجانات والأفلام والاحتفالات التراثية كجسر يربط الماضي بالحاضر.
وعليه، فإ عبارة “من البابوج إلى الطربوش” تعني الانتقال من حالة الفقر والبساطة إلى الثراء حيث يُشير البابوج إلى الحذاء القديم البسيط، بينما يرمز الطربوش إلى غطاء الرأس الفاخر الذي كان يرتديه الملوك في العهد العثماني.
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com












