بقلم نقولا أبو فيصل “الكاتب بين التوعية والتلقين”!
قد يظنّ البعض أنّ الكتابة هي مجرّد مهارة تعبير، لكن الحقيقة أنّها مسؤولية قبل أن تكون قدرة. فالكاتب حين يسكب أحرف كلماته على الورق، يقف دائمًا على مفترق طريق ، إن بالغ في الإقناع صار مروّجًا، وإن اكتفى بالوصف من دون موقف بدا وكأنه يتفرّج على الحريق من بعيد. أما بالنسبة لي ، وبعد ثمانية إصدارات صارت متوفرة بالمجان في المكتبات الالكترونية، وبنسخها الورقية، أعمل اليوم على وضع اللمسات الاخيرة لكتابي الجديد : “أرمينيا… موت وحياة تتجدّد”. وهكذا أدركتُ أكثر من أيّ وقت مضى أنّ التوعية ليست شعارًا، بل هي عبء يحتاج فهمًا عميقًا للواقع، وشجاعة في طرح الأسئلة الصعبة، ونزاهة فكرية تمنع الكاتب من تقديم أجوبة جاهزة. فالكتابة الحقيقية لا تُلقّن… بل تُوقظ.
نعم أصدقائي، التحدّي الكبير أمام أي كاتب هو التمييز بين التوعية والتلقين. فالتلقين يعرف جيدًا كيف يتخفّى. يرتدي لباس التوعية، يقدّم عبارات جذّابة وقناعات جاهزة، فيحوّل القارئ إلى تابعٍ لا شريك. وهنا تكمن الخطورة. فالتوعية الصادقة لا تفرض رأيًا، بل تفتح نافذة. لا تختار عن القارئ، بل تترك له مساحة يختبر فيها أفكاره. إنّ ما يصنع الفارق بين نصّ يُحرّض على التفكير وآخر يصنع الاستسلام… هو احترام الكاتب لعقل قارئه ولحريّة رأيه. وهكذا فإن الكاتب الحقيقي لا يبحث عن جمهور يسير خلفه، بل عن قرّاء يسيرون معه.
الكاتب الحقيقي لا يقول لاصدقائه : افعلوا، بل يدعوهم إلى أن يفكّروا. فالدور الحقيقي للكاتب هو المشاركة، لا السلطة. هو الإضاءة على الطرقات، لا رسم مسارٍ واحد. التوعية الحقيقية تفتح الأبواب أمام القارئ، أمّا التلقين فيغلقها بلطف. وشاسعٌ الفرق بين كاتب ينير العقول، وآخر يطمئنها حتى تنام. الكتابة ليست أمرًا… بل دعوة. وليست سلطة… بل مسؤولية. وكل كلمة تُكتب بصدق، قادرة أن تصنع في القارئ بذرة وعي، تكبر معه مع مرور الزمن.
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو إتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com
اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين
