عن وليد جنبلاط
بقلم غازي العريضي
ثمة اندفاع وهوس وسكرة لدى بعض اللبنانيين في تسويق موقف إسرائيل بتبرير عدوانها المفتوح على لبنان والدعوة إلى “إقامة علاقات طبيعية معها، فهي ليست عدواً، بل ثمة من اعتدى عليها”، “وهي جارة. يجب أن يكون اتفاق معها. وتبادل السفارات والزيارات واستقبال رموزها على الشاشات اللبنانية”، وهي لا تزال تحتل الأرض وتحتجز الأسرى وترفض عودة الأهالي إلى ديارهم وإعادة إعمارها ولم تلتزم بكلمة من قرار وقف الأعمال العدائية. تستبيح كل شيئ تهدّد وتتوعّد بتوسيع نطاق عدوانها “لأن الجيش لم ينه مهمته وليس قادراً على ذلك”. علماً أن أعضاء لجنة الميكانيزم والمتابعين عمل الجيش يقرّون بتحقيق خطوات استثنائية في الجنوب لتأكيد حصر السلاح بيد الدولة، ولم يقدّم حتى الآن أي شيئ له لتكون وتيرة عمله أسرع. ولولا التزامه بالقيام بواجبه لما تحقق ما تحقق. إضافة إلى عمله في البقاع وعلى الحدود اللبنانية السورية، وفي الداخل لحفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب وتصنيع وترويج المخدرات واعتقال المتورطين.
والأغرب من كل ذلك، أن الدولة تحركت ورصدت مبلغاً للبدء بعملية إعادة الإعمار فانتفض فريق ضد الخطوة، “هذا لا يجوز قبل معالجة أسباب الدمار ونزع السلاح”.
إذاً، ما هو المطلوب؟ ماذا تقول الدولة لأبناء الجنوب “ابقوا حيث أنتم”، “لا عودة إلى دياركم” وإسرائيل تصرّ على “منع حق العودة” “ومنع حق البقاء”، تماماً كما تفعل في فلسطين، فهل مصير الجنوب والجنوبيين هو هكذا؟ وهل هذا يصيب ويعني فريقاً معيناً في لبنان ولا يعنينا جميعاً بأمننا واستقرارنا ووحدتنا ومستقبل بلدنا؟ وهل إذا ضربت الضاحية وتحولت إلى مكان غير قابل للحياة كما ينقل موفدون دوليون عن مسؤولين اسرائيليين يكون تعافي واستقرار في لبنان؟ إلى أين سيذهب الناس؟ كيف؟ هل هذا يطمئن أبناء الطائفة الشيعية الكريمة خصوصاً وأن الموفدين ينقلون أخباراً عن استهداف للبقاع أيضاً وعزله عن سائر المناطق؟ وهل يمكن أن نصدق ان هذا يفرح لبنانيين آخرين؟ وإذا ذهب لبنان إلى التطبيع وهو كيان ذو تركيبة سياسية خاصة بتنوعها ونكهتها وفرادتها وحساسيتها ودقة حسابات التعامل معها، هل سيكون مصوناً؟ هذه مصر دولة كبرى ونظامها مختلف. وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل. وليس ثمة تطبيعاً شعبياً وعلى مستوى الناس. بل تشكو دولة الاحتلال هذه الحالة وتهدّد مصر وأمنها واستقرارها، وكذلك الأردن القلق مما يجري في الضفة ويخرج مسؤولون اسرائيليون ليؤكدوا مراراً وتكراراً أطماعهم بجزء من أراضي الأردن ومصر ولبنان وسوريا التي هي خير مثال اليوم. فمع كل الرعاية الأميركية للوضع فيها تتجاوز إسرائيل كل الاعتبارات. تحتل. تقصف. تدخل إلى مواقع جديدة. تتدخل في الشأن الداخلي. تهدّد، وتصرّ على عدم الانسحاب وعدم احترام الاتفاقات الموقّعة معها والتي أعلنت قيادة التركيبة السورية الجديدة التزامها بها منذ اليوم الأول وعدم رغبتها الدخول في مشاكل أو حروب. مشروع إسرائيل يستهدف كل المنطقة.
وبالتزامن يتحدث بعضهم عن مرحلة 1975- 1990 مختصراً أن “الكل كان ضده” ولا يشير بكلمة إلى أخطائه ومسؤولياته كما فعل كثيرون غيره. وعن مرحلة 2005 دون ذكر أي كلمة عن رفيق الحريري وهو العنوان والحدث بالزلزال الذي هزّ ّالبلاد باغتياله وغيّر الكثير من المعادلات في الداخل والمحيط.
في هذا التوقيت خرج الكبير وليد جنبلاط ليقول كالعادة كلاماً وطنياً شجاعاً استثنائياً في قراءته لمشهد المنطقة ولبنان، مدركاً الحقائق والوقائع والتفوّق الاسرائيلي متمسكاً بالثوابت والمسؤولية الوطنية والحرص على لبنان الكبير ووحدته مستفيداً من تجارب الماضي والخبرات المتراكمة.
وليد جنبلاط انتقد قرار العزل الذي اتخذته الحركة الوطنية برئاسة كمال جنبلاط ضد حزب الكتائب وهي ليست المرة الأولى التي يشير فيها إلى هذا الأمر ولأنه كذلك كرّر رفضه عزل أي طرف آخر وبالتحديد اليوم الطائفة الشيعية الكريمة. وأكد مقولته الشهيرة “دخل السوري على دم كمال جنبلاط وخرج على دم رفيق الحريري”. ولولا استشهاد الحريري ودمه لبقي لبنان في دائرة السجن الكبير الذي رفض كمال جنبلاط أمام حافظ الأسد إدخاله فيه وكان هذا سبباً من أسباب اغتياله. ومع استشهاد الحريري وصلابة وشجاعة وقيادة وليد جنبلاط للانتفاضة الشعبية آنذاك، لما تمّ الخروج السوري ولما خرج رئيس حزب القوات اللبنانية من السجن بقانون عفو. مذكراً بتاريخ رفيق الحريري وبموقع نجله سعد في وجدان الناس.
الكبير وليد جنبلاط، المحترف، الخبير، الذي خطط للمصالحة خلال الحرب وأنجزها بعد توقفها، وأجرى مراجعة ذاتية، ولا يتوقف عن استخلاص الدروس والعبر من التجارب والمتغيرات وهاجسه حماية لبنان الكبير ووحدته واستقراره في مرحلة تقف فيها كل المنطقة على مفترقات طرق خطيرة مستهدفة كل كياناتها بأمنها واستقرارها ووحدة ابنائها وثرواتها من قبل إسرائيل المتفوقة. الجرأة والتجرؤ لا يكونا بالتسرّع والاندفاعات غير المحسوبة فهذا خيار مطروح ومتاح أمام الجميع والركون فقط إلى ميزان القوى وهو عنصر مهم والابتعاد عن الواقعية ومحاولات الاستفادة لتعزيز الوحدة الداخلية وتقوية موقف الدولة وتنفيذ قراراتها ببسط سلطتها على كل أراضيها ورفض محاولات إيران ربط مفاوضاتها مع أميركا ومساعيها للوصول إلى اتفاق يضمن استمرار نظامها ومصالحها بإقحام لبنان في مغامرات وخيارات تقضي على ما تبقّى فيه.
الجرأة والتجرؤ والتميّز هنا فهل تتلاقى الإرادات بقرار داخلي أم تفرض علينا ظروف معينة تحركاً من الخارج لتركيب العقل الجماعي اللبناني فيولد عقل اصطناعي لا ذكاء طبيعياً كاملاً فيه ولا ذكاء اصطناعياً يستند اليه فنخسر كل شيئ؟؟ ليس في ذلك استهداف لأحد او دفاع عن أحد. كل التقدير لحق أي انسان في التعبير عن رأيه.












