بين الحريري وباسيل إيجابية مبهمة
ما جرى في الساعات الماضية، في شأن عملية تشكيل الحكومة، كان عبارة عن اطلاق ماراتون جديد من التحرك المغلّف ببث الأجواء الايجابية. وعلى حدّ تعبير مرجع رسمي كبير، فإن ما جرى بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، كان عبارة عن تبارز في إضفاء الايجابيات الإعلامية لا أكثر، إلى حدّ اعتبار ما يجري أنه مناورة لتسجيل إيجابيات أكثر بين الرجلين. ويذهب المرجع أكثر من ذلك قائلاً: “لا يمكننا القول إن هناك حكومة أصبحت في متناول اليد، قبل توقيع مرسومها من الرئيسين، ويجب أن يبقى الحذر مرافقها إلى مرحلة ما بعد التوقيع، والاتفاق على البيان الوزاري إلى جلسة الثقة”.
إلى هذا الحد تبدو التفاصيل كفيلة في إطالة أمد التشكيل أو عرقلته. فحتى الآن، لم يتم الاتفاق على الحصص، والطامة الأكبر ستكون عند بدء البحث في الحقائب، وهذه المرجلة قد تطول أكثر من المرحلة الأولى. الخلاف حتى الآن، لا يزال على سياسة الحكومة ووجهة البلد السياسية، وهذه تحددها الأحجام، والأحجام ستحدد وفق دفة ميزان أي طرف ستكون راجحة. الجديد، هو تحرّك الحريري مجدداً على خطّ باسيل والتيار الوطني الحر، ما يمهد للقاء جديد بين الحريري والرئيس ميشال عون في الأيام المقبلة، قد يطرح فيه رئيس الحكومة المكلّف صيغة جديدة، لن تختلف كثيراً عن الصيغ التي قدّمها سابقاً مع إدخال بعض التعديلات عليها.
لم يحمل لقاء الحريري وباسيل أي جديد على صعيد عملية التشكيل. حمل جديداً بشأن العلاقة بينهما وإعادة إطلاقها وتفعيلها. ولو أن أي خرق جرى تسجيله ويمكن أن يبنى عليه، لكانا تبارزا في من سيعلن تحقيق الإنجاز أو الانتصار، ولكانا لجآ إلى التسريب. وتؤكد مصادر متابعة أن ما جرى الإتفاق عليه هو وقف الحملات المبطنة بين الطرفين، ووقف التقاذف الإعلامي، واستمرار التشاور والتنسيق وفق المعطيات المتداولة، أي الاقلاع عن التصعيد كالتلويح بتشكيل حكومة أكثرية.
ما يثبت أن الرجلين أرادا التبارز في ضخ الأجواء الإيجابية، هو التسريبات التي جرى التداول بها على نطاق واسع، وتحدّثت عن تحقيق خروقات، في مقابل حذر شديد من مختلف الأفرقاء، لا سيما حزب الله، والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية. فحزب الله بقي على صمته ولم يرد الدخول في موجة التفاؤل، على الرغم من إيلائه أهمية أساسية لتشكيل الحكومة، وتمسّكه بوزارة الصحة. القوات اللبنانية أيضاً رفضت الدخول في موجة الايجابيات، كي لا يصطدم الشعب اللبناني أمام تبخّرها في الأيام المقبلة، فيما الحزب التقدمي الاشتراكي يصرّ على أنه لا يزال على موقفه ولم يتبلّغ بأي طرح جديد. أما حركة أمل، فخير من عبّر عن الموقف على لسان الوزير علي حسن خليل بعد زيارته بيت الوسط، إذ اختصر ما يجري بأنه تحرّك جديد وجدّي بحثاً عن توافق على التشكيلة الحكومية.
وتكشف المصادر أن الواقع يجافي الكم الهائل من الايجابيات التي جرى التحدّث عنها. فمثلاً، في ما يتعلّق بحصة القوات اللبنانية، التي قيل إن باسيل وافق على منحها 4 حقائب بما فيها حقيبة سيادية، تؤكد المصادر أن الأساس في ذلك هو أن التسريبة لم تتحدث عن نوع الحقيبة السيادية التي ستصحل عليها القوات، فيما باسيل وافق على ذلك، على أن لا يتنازل التيار ورئيس الجمهورية ميشال عون عن حقيبتي الدفاع والخارجية. بالتالي، التلميح هو بأن يعطي الحريري القوات حقيبة سيادية من حصّته وهي وزارة الداخلية،. وهذا أمر شبه مستحيل.
وبالنسبة إلى التسريبة التي تتحدث عن التوافق بينهما على العشرات الثلاث، وعدم حصول أي طرف على 11 وزيراً، فتوضح المصادر أن هذا التوافق المبدئي حصل ولكن يحوي عقبة معينة، وهي أن حزب الله يحصل مع أمل على ستة وزراء شيعة، بالإضافة إلى وزيرين مسيحيين و2 سنة، والتيار الوطني الحر يحصل مع حصة رئيس الجمهورية على 10 وزراء 9 مسيحيين وسنّي. فيما يتمسك التيار بتوزير النائب طلال ارسلان، وهو سيكون الوزير الحادي عشر لمصلحة تحالف حزب الله من جهة، والتيار من جهة أخرى. وهذا أمر لا يزال مرفوضاً من الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يزال على موقفه. أما عن طرح تسمية جنبلاط وزيرين درزيين والثالث يختاره بالتوافق مع الحريري ورئيس الجمهورية، فتشير مصادر الاشتراكي إلى أنهم لم يتبلغوا بهذا الطرح، وحين يتم الوصول إليه يتم البحث به.
وفيما عملت أوساط الوزير باسيل على البدء بتسريب الأجواء الايجابية، لجهة ايجاد حل لعقدة القوات، فإن هذه الأجواء عادت وتبخّرت بتسريبات أخرى من مصادر التيار، بأن باسيل لا يتدخل بحصص القوى الأخرى، وليس هو من يوافق على حصص الآخرين أو يرفضها. عملياً، لم تغادر المشاورات المربّع الأول بعد. ما تحقق هو إعادة تحريك العلاقات بين الحريري وباسيل، خصوصاً أن الأخير سعى إلى حصر عقد التشكيل بالقوات والاشتراكي، واستدراج الحريري إلى خانته. وكأن هناك من يستمر في لعبة تقاذف كرة المسؤولية.
منير الربيع /المدن