حماده في الذكرى الـ14 لمحاولة اغتياله: هل من سيناريو 1952 في الأفق؟
بعد 14 عاماً على محاولة اغتياله، في الاول من تشرين الاول عام 2004، ماذا يقول الوزير مروان حماده الذي رافق بجسده وروحه وعقله مرحلة عاصفة من تاريخ لبنان لم ينتهِ عصفها حتى اليوم؟ وفيما يقرأ هذه الاعوام واضعاً اغتيال الرئيس رفيق الحريري في مرتبة الاحداث الكبرى التي مرّت على لبنان والمنطقة، يطل حماده على لبنان حاضراً ومستقبلاً فيرسم أفقاً مثقلاً بالصعوبات، مقترحاً طريقاً للخلاص يعيد الاعتبار الى إرادة اللبنانيين ضمن لبنان الكبير في زمن ترتسم خرائط بديلة مما رُسم في زمن سايكس – بيكو. وهنا وقائع الحوار الذي أجرته “النهار” مع حماده في هذه الذكرى المؤلمة لصاحبها ولبنان أيضا:
“في الذكرى الـ14 لا أستطيع ان أقول إنني نجوت من محاولة الاغتيال، لا أنا ولا عائلتي ولا أهلي ولا قومي ولا وطني نجوا من الاغتيال، بل نعيش في كل لحظة محاولة جديدة للقضاء على الواقع ولو مريراً وعلى الاحلام ولو بعيدة. هل كان من الافضل أن أقضي في تلك اللحظة ولا أشهد اغتيال رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وانطوان غانم ووسام عيد ووليد عيدو ووسام الحسن ومحمد شطح، والمحاولتين اللتين استهدفتا العزيزين ميّ شدياق والياس المر؟ هل حُكم علينا جميعا أن نتقبّل الجريمة ونتخطاها لنبتلع خطوة بعد خطوة كل ما حلّ بلبنان وسوريا وفلسطين والعراق منذ أن انقضّ على المنطقة مشروع شمولي له كل الاوصاف التوسعية والديكتاتورية والمذهبية، الفاشية بعينها بأوصاف نازية؟
بعد 14 عاماً أتطلع الى الوراء فأرى اللون الاحمر يغطي سماءنا. وأتطلع الى الامام فأرى السواد يلفّ آفاقنا: ميشال عون رئيسا؟ أين السيادة والاستقلال والديموقراطية والعروبة؟ حكومات الوحدة الوطنية؟ ماذا بقي من تلك الوحدة؟ وأين هي الوطنية في تصرفاتها وتغطيتها لموبقات تتخطى حتى الفساد لتبلغ الهلاك الشامل لكل القيم، ناهيك عن الدستور والقوانين والاخلاق واللياقة والتهذيب؟ لقد وصلنا الى قاع القاع فلم أرَ في حياتي أسوأ من هذا العهد وأفشل من هذه الحكومة ولا أستبشر خيراً بالصيغ المطروحة مع تمنياتي ورجائي أن تشكَّل حكومة جديدة اليوم قبل الغد. في نظري ان لبنان يحتاج الى وثبة سياسية شعبية من النوع الذي أزاح الرئيس الشيخ بشارة الخوري في العام 1952، هذا الرجل بطل الاستقلال، من دون أن يسفك نقطة دماء واحدة أو يلجأ الى الجيش. لم يغتصب السلطة أصلاً، ولم يستنفد رصيده الباقي إلا بسبب انتخابات مزوّرة تبقى أقل بشاعة من القانون الذي اعتُمد في انتخابات التمزيق المذهبي التي جرت قبل أشهر. ولم يستنفد أيضا، وهو بطل الاستقلال، بقية رصيده إلا من فساد أحد أفراد عائلته وكان ذلك كافياً ليقول شعب لبنان لعملاق سياسي وثقافي: كفى! أقولها بالفم الملآن: كفى! كفى تجاوزاً للسلطة. كفى اعتداء على الدستور. كفى استنزاف موارد الدولة. كفى تحويل المؤسسة الدستورية الأمّ الى شركة مضاربة عائلية قبضت على مقاليد السلطة وتوغلت في أجهزتنا القضائية والعسكرية والادارية”.
سئل الوزير حماده: أنت تدعو الى وثبة سياسية وشعبية كالتي أزاحت الرئيس بشارة الخوري، علماً ان الاخير واجه هذه الانتفاضة بعدما أمضى في سدة الرئاسة تسعة أعوام، في حين ان رئيس الجمهورية الحالي لم يمضِ عليه سوى عامين في منصبه؟
حماده: “نحن في ألفيّة السرعة. لم تتأخر الامور حتى انكشفت أمام كل لبناني. إكتشفوا ان التسوية لم تكن إلا صفقة، وان ما بنيَ على باطل فهو باطل. إستنزفت التسوية بسرعة فائقة كل الآمال التي تشدّق بها حاملوها والتي كنا نقول منذ البداية انها غير موفقة وغير متكافئة ولا تنمّ عن أي بعد نظر، لا بالنسبة للاشخاص ولا بالنسبة للاساليب ولا نظراً الى السوابق التي كانت تكفي لنتّعظ منها على مدى 30 عاماً كلما تمنينا ان يتغلب المنطق على الطمع.
أتمنى أولاً أن يكون هذا الصباح المتفجّر في ذاكرتي وأجساد رفاقي، مفجّراً للطاقات الخلاّقة التي تحاول تشكيل حكومة جديدة. مع علمي اليقين بأن أية حكومة لن “تشيل الزير من البير” في ظل العقلية السائدة في البلاط الرئاسي.
أتمنى ثانياً ان يكون رفيقي الشهيد الاول في ثورة الارز غازي ابو كروم، قد لاقى جنّة كلها نور”.
سئل: بالعودة الى ذكرى محاولة الاغتيال، هل تنظر الى الحدث الآن بعد مرور 14 عاماً بطريقة مختلفة عما كانت عليه في الاعوام السابقة؟ هل من معطيات جديدة؟ أجاب: “من الواضح ان المحاولة التي استهدفتني هي تفصيل صغير بالنسبة للزلزال الذي هزّ لبنان من خلال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أنني أضع اغتيال رفيق الحريري في مرتبة أحداث تاريخية كبرى من نوع إطلاق الحرب اللبنانية، والتدخل السوري، والاجتياح الاسرائيلي، والهجوم الاميركي على العراق. الاغتيال كان بداية الاجتياح الجديد للبنان ولمؤسساته ولميثاقه الوطني، وقد أفسح في المجال أمام قيام سلطات موازية لسلطة الدولة وبالتالي تحويلنا الى مجتمع قد يشبه في النهاية المجتمع الافغاني من حيث تقاسم الحكم، فلم يبقَ عندنا اليوم إلا (لوياجيرغا) بنكهة لبنانية. حمانا الله من تشبيه إقتصادي لاحق بـ”صوماليا” مثلاً. اليوم، وكل يوم تستمر مفاعيل اغتيال الحريري”!
ماذا عن الجلسات الاخيرة للمحكمة الخاصة بلبنان؟ هل لمستَ معطى لم يكن معلوماً من قبل؟ أجاب: “لن أتطرق الى شيء في موضوع المحكمة قبل صدور الحكم”.
سئل: لقد حضرت الجلسات الاخيرة للمحكمة، هل من انطباع تكوّن لديك في لاهاي بالوصول الى قناعات جديدة بعد الصورة الشاملة التي ارتسمت أمامك؟ فأجاب: “لقد تأكدت مما كُشف في اللحظات الاولى من المؤامرة بالنسبة الى: صاحب القرار ومدبّر العملية ومنفّذها. كثيرون قضوا بعد ذلك وكأن العدالة الالهية سبقت عدالة الانسان. أما مَن بقي، وعلى رأسهم بشار الاسد، فما جرى لنظامه بعد ذلك يعطي جواباً كافياً: رفيق الحريري شهيد ثورة الارز، ورفيق الحريري الشهيد الاول لثورة أهل الشام وأبطالها. فإلى الشيخ سعد دولة الرئيس، والى رفيق العمر وليد جنبلاط، والى زملائي في 14 آذار أقول: “أنتم أبطال وضحايا مرحلة طويلة: حافظوا على الارز ولو تباطأت ثورته”.
وقيل لحماده ان احد اهداف حرب العام 2006 هو مواجهة مسار المحكمة التي انطلقت قبل تلك الحرب، فهل سيؤدي صدور الحكم النهائي الى حدث مماثل؟ أجاب: “قطعاً، لا أتمنى ذلك. على العكس، أرجو ان يكون إعلان الحقيقة وإصدار الحكم محطة كافية تحمل العقاب الكافي والشافي في آن، يطوي الصفحة لكي يتسنى للبنانيين التخلص من أحقاد غريبة المنشأ نفحت عليهم من الشرق والغرب، فيكفيهم التغلّب اليومي على تناقضاتهم ومآسيهم، هذا ما يجب ان نهتم به. المحكمة مستمرة باقية شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. لكن المحكمة لن تقرر مصير لبنان، ولا يجوز ان تدفعنا الى اقتتال جديد. معركة لبنان هي معركة الحفاظ على ذاته وأخلاقه وانفتاحه واحترامه لمواثيقه”.
عن احوال المنطقة التي تواجه عنف المواجهة الاميركية – الاسرائيلية – الايرانية، اضافة الى ما أعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الامم المتحدة بشأن ما زعمه من مراكز أسلحة لـ”حزب الله”، هل من ضوء يشير الى ان لبنان سينجو من هذه الكارثة الكبرى ؟ أجاب: “في نظري، ان التمسك الحقيقي من غير تكاذب، كما هو الامر حالياً، بالنأي بالنفس هو وصفة السلم الاهلي والاجتماعي والاقتصادي كما والسلام الخارجي. لا نستطيع ان نتحمّل أعباء الصراع القائم إقليمياً ودولياً. فعلى من يحمل رايات إيران أن يقول لها بصراحة لا تحمّلونا ولا تحمّلوا لبنان وطأة سياستكم. وعلى الذين يحملون الرايات الاخرى ان يتوجهوا بالمنطق نفسه الى حليفهم او حاميهم أياً كان. الميثاق الوطني والاستقلال بنيا العام 1943 على هذا الاساس. ووثيقة الوفاق الوطني عام 1989 انبثقت من المبادئ نفسها. وأي إخلال من اي جهة في التوازن يطيح لبنان. فإذا كان الرؤساء لا يفهمون ذلك فلنغيّر الرؤساء. وإذا كانت الحكومات لا تطبّق ذلك فلنشكّل غير حكومات. إستمرار الوضع الراهن كارثي، وأقولها بالفم الملآن، لإنني ألمسه في كل زاوية مذهبية في الادارات الرسمية وفي التصرفات الميليشيوية لبعض الاجهزة الامنية والانفلات القانوني والاخلاقي في سلطات من المفترض ان تحمي العدل والحريات، كل ذلك سينتهي الى كارثة غير مسبوقة هذه المرة والى انهيار لا قيامة منه ومن بعده والى ثورة عارمة بدأت تعشش في قلب وفكر وضمير كل لبناني مقيم او مغترب. بصراحة، في هذا اليوم، لا أتذكر منه إلا لحظة انفجار وبرق ودخان وغبار ووجع وفقدان لرفيق عزيز الشهيد غازي ابو كروم. كل ما أتمناه هو ألا تعود الاغتيالات ولا ان يتكرر الاجتياح ولا ان تتجدد الوصايات. كفانا حروباً شخصية وعامة. ان نبش القبور مقدمة لحفر قبور جديدة”.
قيل لحماده : يتكرر القول ان سنة 2019 ستكون صعبة جداً في لبنان والمنطقة، هل توافق على ذلك؟ أجاب: “من دون شك ان 2019 سنة استحقاقات كبيرة بدايتها مشاريع ظالمة بحق الشعب الفلسطيني، ثم تصفية حسابات في تقاسم جديد للنفوذ فتكون الصيغة الجديدة: بوتين – ترامب – اردوغان –نتنياهو بديلة من صيغة سايكس- بيكو. في كلتا الصيغتين، السابقة والقادمة، أين العرب وأين لبنان؟ إن كنّا، وهذا الواقع، لا نستطيع المشاركة في رسم المنطقة، فلنبقِ على خريطة لبنان الكبير وعلى الآمال التي ما زالت تحملها”.
النهار