لو أراد سعد الحريري بقّ البحص، لصنع جبلاً
لو أراد سعد الحريري بقّ البحص، لصنع جبلاً. هو يطلّ، غداً الخميس، مع مرسال غانم في “صار الوقت” على شاشة mtv، في لحظة القلق اللبناني الكبير، سياسةً واقتصاداً، وأمناً أيضاً، بعد خرائط بنيامين نتنياهو التي لا “تخرط” في رأس.
بلغنا اليوم الثالث والثلاثين بعد المئة على تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، ولو اختار الأخير تسميتها “الأولى”. طال أمد التشكيل، وقد يطول أكثر. هناك من السياسيّين من يجلس، مسترخياً، ويتوقّع ألا تشكّل حكومة هذا العام، وبعضهم يبلغ به التشاؤم حدّ القول إنّ لا حكومة في هذا العهد. كنّا ننتظر حكومةً عمرها طويل، حتى نهاية العهد، فإذا بطول الأمد يُلصق بالتأليف، حصراً.
جمهوريّة تتهاوى في كلّ شيء، وخصوصاً في القيم. تأمّلوا ما يقال على بعض الشاشات وما يُكتب على مواقع التواصل الاجتماعي. تنقصنا متاريس رمال وبعض بنادق لنعود الى الحرب.
لكنّ الحرب المؤكّدة اليوم في مكانٍ آخر، حول الصلاحيّات والمعايير والحصص. وبلغ الأمر حدّ تهديد التسوية التي قامت بين عون والحريري، وأوصلت كلّاً منهما الى موقعه. لم يكن تذكير رئيس الجمهوريّة بإنقاذه للحريري من “الاحتجاز” زلّة لسان. لكنّ الحريري، بالمقابل، لم يقل يوماً إنّه في طليعة من ساهموا بإيصال ميشال عون الى الرئاسة.
هو حمى التسوية بالصبر وواجه، مراراً، التحامل بقدرة التحمّل. وهو، وإن لم يملك استثنائيّة رفيق الحريري، فقد بلغ من النضوج السياسي ما يمكّنه، مثل والده الشهيد، من استيعاب الخصوم والحلفاء الجدد ولو أنّ في ظهره وصدره أكثر من طعنة.
لم يرتكب الحريري هفوةً واحدة بحقّ رئيس الجمهوريّة، ولو أنّ الأخير منّنه مراراً، مباشرةً أو عبر الأقربين. جبران باسيل أحدهم، بل أبرزهم.
ولم يقل الحريري “أنا أنجزت”، بل صمت، مراراً أيضاً، حين سمع من يقول إنّ العهد أنجز، معدّداً ما صنعته الحكومة التي حُرمت حتى من صفة حكومة العهد الأولى، كأنّها ابنة حرام. ومع ذلك لم يتذمّر الحريري يوماً.
تقوم السياسة، في البلدان الهزيلة، على التنازل والمقايضة وتحقيق المكاسب، بأيّ طريقة. وبعض السياسيّين في لبنان مثل “القبابيط”، يقفزون من مكانٍ الى آخر. يعرف سعد الحريري ذلك كلّه. ويعرف، أيضاً، أنّ السياسة الداخليّة، وحتى تشكيل حكومة لبنان، تفاصيل صغيرة في شرق الصراعات والتسويات. إلا أنّه يتابع الطريق، وهو أمانة لا خيار. لكنّ الحريري يعرف أيضاً أنّ تقليل الضرر هو أيضاً إنجاز. خيرٌ أن تقلّل ضرراً من أن تدّعي إنجازات غير موجودة سوى في بعض الخطب. التاريخ لا يُكتب بالخطب، ولكنّ ذاكرة الناس رفوف من النسيان.
والحريري حاجة، باعتراف الجميع، من معراب التي عرفت علاقتها ببيت الوسط صعوداً وهبوطاً وجفاءً وسحوراً رمضانيّاً، الى حارة حريك التي تعرف أنّ بدائل الحريري إمّا ضعفاء أو متطرّفين. ومع ذلك، خرج من حوله بعض الطامحين لخلافته، من دون أن تُكتب له الشهادة مثل والده، وهناك من خرج منه سعياً الى خلافة. جميعهم سقطوا أو سيسقطون. الحريري حاجة، ولو لم يعترف “متوتّر الجمهوريّة” جميل السيّد.
اختار سعد الحريري “الخرزة الزرقاء” شعاراً لحملة تيّار المستقبل في الانتخابات النيابيّة الأخيرة. قيل حينها: لِمَ الحاجة إليها، وماذا في لبنان لكي يُصاب بالعين؟
لديه، في السياسة، سعد الحريري، السنيّ الهادئ، المعتدل والمنفتح والمسالم في شرق المتهوّرين والموتورين. رجلٌ يبلع البحص، إن اضطرّ، ليحفظ البلد.
داني حداد/mtv