أسرار تهدئة “المية ومية”.. هكذا تدخل الزعماء!
في سجل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الحافل بالاحداث الامنية والتقاتل الداخلي بين قواه وفصائله المتعددة الهوية السياسية والعقائدية، لم يسبق ان سُجِّل هذا المستوى السياسي اللبناني والفلسطيني الذي رمى بثقله على خط وقف الاشتباكات الدامية التي شهدها مخيم المية ومية، والتي دارت عنيفة ومتقطعة على مدى اسبوع كامل، ليرتفع بذلك منسوب الاهتمام الاستثنائي بمروحة واسعة من الاتصالات اللبنانية ـ الفلسطينية، وعلى مستويات عليا، فتحت الطريق امام وقف اطلاق نار.
الاشتباكات المسلحة بـ”نسختها” الثانية، بعد اشتباكات الخامس عشر من الجاري، والتي دارت بين مقاتلي حركة “فتح” و”قوات الامن الوطني الفلسطيني” من جهة، ومقاتلي حركة “انصار الله”، حصدت اكثر من 3 قتلى و20 جريحا، والقت بتداعياتها في العديد من الملفات، وظهر ذلك من خلال التحرك العسكري الذي نفذه الجيش اللبناني عند نقاط متقدمة على تماس مباشر مع المخيم، والمواكبة السياسية التي هدفت الى معالجة حدث امني وعسكري مدو في الساحة الفلسطينية بوابته مخيم المية ومية، وقد جاءت مبادرة الرئيس نبيه بري، وتحت لافتة حركة “امل”، لتَجمع المتقاتلين على طاولة واحدة في حضور الفصائل الفلسطينية كافة، يخرج عنها قرار بوقف اطلاق نار فوري في المخيم، فيما واكب “حزب الله” الخطوة بمتابعة مباشرة مع القيادات الفلسطينية، لتثبيت وقف النار والعمل على استعادة الهدوء في المخيم، فيما كانت تطورات المخيم عنوان الاتصال الذي تم بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية.
وتلفت مصادر متابعة لحركة الاتصالات المكثفة التي جرت في الساعات الاخيرة التي سبقت التوصل الى قرار لوقف اطلاق النار في مخيم المية ومية، الى ان نجاح الجهود لوقف الاشتباكات جاء بعد مروحة واسعة من الاتصالات اجريت على غير خط، وان كان ابرزها الاتصالات التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، لتتحرك عجلة الرئيس بري وبحماسة، للاسهام في انهاء الاشتباكات، فكان تحركه يرتكز على مبادرته التي سبق ان جمع حولها كافة القيادات الفلسطينية في لبنان، تحت شعار تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية والتمسك بملف اللاجئين وحق العودة وحماية المخيمات ومواجهة حالات التوتير الامني بجدية ومسؤولية، وهو ما خرجت به القيادات الفلسطينية من مقر حركة “امل” في بلدة حارة صيدا، حيث اعلن عن وقف لاطلاق النار والعمل على التهدئة، وبالفعل التزم الطرفان المتقاتلان بالقرار، وتصف المصادر تحرك الرئيس بري على خط وقف الاشتباكات، بـ “الرسالة” التي حُرِّرَت انطلاقا من موقعه الحرص على الوجود الفلسطيني وقضية اللاجئين الموضوع اليوم على المشرحة الاميركية، ضمن الاستهدافات التي تحملها ما سُمي بـ “صفقة القرن”، وتصل ارتداداتها لتحدث اهتزازات في الامن اللبناني، لا طاقة للفلسطينيين ولا للبنانيين لتحمل نتائجها.
ووسط حال من التوتر الشديد، ما تزال مسيطرة على مخيم المية ومية، اطلق “حزب الله” ماكينة تثبيت وقف النار بين حركتي “فتح” و”انصار الله”، بعد لقاء جمع طرفي الاشتباكات، واعلن عن اتفاق للعمل على الخطوات التي تضمن ازالة كل مظاهر الاستنفار العسكري داخل المخيم، ومنها سحب المسلحين ووقف المظاهر المسلحة في شوارع المخيم، والالتزام ببنود ورقة العمل الفلسطيني المشترك القاضية بتسليم أي مطلوب أو متهم أو مخل بأمن المخيمات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية ورفع الغطاء عنهم، والعمل على إعادة الحياة في المخيم إلى طبيعتها بشكل تدريجي تمهيداً لعودة الأهالي إلى منازلهم، وفق ما تقرر في اجتماع “حزب الله” مع طرفي الاقتتال وباقي الفصائل الفلسطينية، مع ان خرقا لوقف النار حصل ظهرا، حيث اطلقت رشقات نارية من اسلحة رشاشة وقذائف صاروخية، نتيجة “انفعالات” لاقرباء ضحايا سقطوا في الاشتباكات، وجرى تبادل للاتهامات بين حركتي “فتح” و”انصار الله” بخرق اتفاق وقف اطلاق النار.
وتشير الى ان بعض من في الساحة الفلسطينية، يعتقد ان مخيم المية ومية او اي مخيم فلسطيني في لبنان، جزيرة لا دخل للسلطات اللبنانية به، تقول المصادر نفسها، وباستطاعته ان يقرر خوض حروب، صغيرة بحجمها وكبيرة بمخاطرها والتباساتها والتداعيات التي تحدثها على الساحة اللبنانية المعقدة تجاه ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، وهذا ما لمسناه مع الساعات الاولى لاشتباكات مخيم المية ومية، حيث نظمت جولات لفاعليات مسيحية استعاد بعضها اجزاء من خطاب الحرب، وهو خطاب يؤذي كل الجهود التي تبذلها القوى السياسية الفلسطينية واللبنانية، وبخاصة الجهود التي بذلها الجيش اللبناني، على خط محاصرة التوترات الامنية والعمل على وقف جولة الاقتتال الدموي، هذا لا ينفي ان ابناء بلدة المية ومية عانوا كثيرا من الاشتباكات، شأنهم شأن سكان المخيم، لكن جرى تصويب على ملف الوجود الفلسطيني مع دعوات لفرض اجراءات خانقة على المخيم”.
(الديار)