استدارة نفذت وضعت الحريري امام الخيارات الصعبة!
لعل أكثر الدلالات السلبية التي تركتها الاحتفالات الرسمية امس في العيد ال75 للاستقلال انها ثبتت ان الازمة الحكومية السياسية التي ظللت هذه الاحتفالات باتت تقترب فعلا من دفع البلاد نحو غامض مجهول يصعب التكهن بمداه الزمني كما بطبيعته . ذلك ان ثمة علامات مريبة للغاية باتت تثار حول ما اذا كانت هناك مناورة سياسية كبيرة انخرط فيها اكثر من طرف في الآونة الاخيرة سعيا الى محاصرة الرئيس المكلف سعد الحريري ومحاولة حشره في زاوية للاستسلام لشروط “حزب الله” وحلفائه او دفعه نحو خيار آخر يضع تكليفه على كف مجهول مع كل ما ينطوي عليه من تداعيات بالغة الخطورة . واذا كان المشهد الشكلي في احتفالات الاستقلال سواء في العرض العسكري الذي جرى في جادة شفيق الوزان او في الاستقبالات الرسمية في قصر بعبدا اعادت صورة ترويكا الرؤساء الى الواجهة شكلا وظاهرا فان هذا المشهد لم يحجب اطلاقا تفاقم التعقيد والتأزيم وغياب اي افق واضح لآفاق الحلحلة بل على العكس تبين بما لا يقبل جدلا ان الكباش السياسي بات أفصح من ان يخفي اندفاع اتجاهات تصعيدية لافرقاء في محور 8 آذار المرتبطين بتحالفات معروفة مع ايران والنظام السوري ولخدمة اللحظة الاقليمية التي تناسبهما . ولم يكن اكثر تعبيرا عن تعمد حلفاء النظام السوري وايران الدفع نحو التصعيد من التهجمات الكلامية التي شنها بعض السياسين والنواب السابقين المحسوبين على زمن رستم غزالة على الحريري غداة تحول الازمة الحكومية نحو وجهة مأزومة جديدة بما لا تخفى معه دلالات هذا التصعيد ولو استند المهاجمون الى تجنب الحريري مرة جديدة مصافحة سفير النظام السوري في بيروت علي عبد الكريم علي في استقبالات بعبدا وانسحابه لوهلة من الاستقبال كما فعل سابقا في مناسبة مماثلة . في اي حال فان التساؤلات كبرت امس حول معنى ان تنتهي وساطة الوزير جبران باسيل بإخفاق تام ولكن مع سحب مسؤولية رئيس الجمهورية عن المخرج للوزير السني ل8 آذار ورمي الكرة كليا في مرمى الرئيس الحريري . واي اتجاه سيكون بعد ذلك في ظل حديث الرئيس ميشال عون في رسالته الاستقلالية مساء الاربعاء عن عدم امكان تحمل ترف اهدار الوقت بعد الان . وهل صحيح تاليا ان ثمة استدارة نفذت ووضعت الحريري امام الخيارات الصعبة اما بتمثيل النواب الستة السنة ل8 آذار واما بتصعيد لعبة العض على الاصابع وسط الخوف من تفاقم الازمة الاقتصادية ومحاذير ما يعيشه لبنان من أزمات ؟ من الواضح في هذا السياق ان هامش اللبننة في الازمة بدأ يضيق ليوسع الهامش امام المنسوب الاقليمي الذي يتصل بموقف بعض قوى 8 آذار المعروفة . في اي حال بدت اجواء الانسداد واضحة عقب الخلوة التي ضمت الرئيس عون والرئيسين نبيه بري وسعد الحريري في قصر بعبدا قبيل بدء الاستقبالات اذ قال بري ردا على سؤال عن الازمة الحكومية “ما في شي جديد ابدا ” . اما الحريري فمازح الصحافيين بقوله انه لن يخبرهم شيئا ثم اردف ردا على سؤال عما اذا كان سيلتقي النواب السنة المستقلين ” الحل ليس عندي ” وسأل ” النواب السنة المستقلون عمن يا ترى ؟ “.ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان غيابات لافتة رصدت في الاستقبالات اذ غاب الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط ومعظم نواب اللقاء الديموقراطي .كما غاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ونواب المردة . اما الخطوة البارزة الاخرى فتمثلت في اعلان الرئيس حسين الحسيني مقاطعته لنشاطات الاستقلال التي وصفها بالنشاط إلبائس وذلك مشاركة منه للبنانيين في شعورهم بان الاحتفال بالاستقلال اسم بلا مسمى .
وسط هذه الاجواء ومع ان موقفا لنائب منفرد قد لا يصح البناء عليه كليا كموقف جامع لكتلته فان المراقبين استوقفهم امس بيان مستغرب جدا لعضو كتلة الوفاء للمقاومة نواف الموسوي الذي بدا كأنه نسف لمشروعية عيد الاستقلال او عدم اعتراف منه او من حزبه بهذا العيد اذ اعتبر الموسوي ان “ما يسمى عيدا للاستقلال في 22 تشرين الثاني نتذكر فيه المقاوم الاكبر ضد الاحتلال الفرنسي ادهم خنجر ونتذكر شهداءنا الأبطال …” . ولم يعرف ما اذا كانت اي جهة رسمية في الدولة تزمع الرد على هذا البيان الصادر عن نائب .
النهار