هذه خطة “حزب الله” للقضاء على الفساد
يشعّب حزب الله خطّته لمكافحة الفساد. يصرّ على أنه لا يريد إدخال هذا الملف بالسياسة، ولا بحسابات الحلفاء والخصوم. ووفق ما تشير مصادر متابعة، فإن الحزب، وقبل فترة قريبة، أبلغ “حركة أمل” و”التيار الوطني الحرّ” بخطته لمحاربة الفساد، وكشْف مكامنه. وهو عمد إلى هذا الإبلاغ المسبق، كي ينتظر الجميع منه فتح هذا الملف، تجنباً للشك أن ثمة طرفاً سياسياً معيناً هو مستهدف فقط. وقد أيّد التيار والحركة خطوة الحزب. كذلك، رحّب أفرقاء آخرون بهذه الخطوة. ولذلك، انطلق الحزب بفتح ما لديه من “دفاتر”. ويحرص حزب الله على عدم دخول هذه الملفات بالحسابات السياسية أو الطائفية. ويؤكد أنه سيترك الأمر بيد القضاء، ولن يستكمل الحملة على نحو سياسي أو إعلامي.
الاحتكام إلى القضاء
بدأ الحزب حملته بالتركيز على الأحد عشر مليار دولار. لكن ما يريد فتحه حول المالية العامة في الدولة يعود إلى العام 1993، وليس فقط من العام 2005. وفي الاتصالات التي يتلقاها الحزب، يجيب أنه لن يستمرّ في الحملة الإعلامية التي يوجهها في سبيل مكافحة الفساد. وأولى الخطوات العملية لذلك، تمثّلت بتسليم النائب حسن فضل الله الملفات التي بحوزته، للمدعي العام المالي، على أن يترك الموضوع في عهدة القضاء، وبذلك يتم تحييد التجاذب السياسي عن هذا الملف.
ويصرّ الحزب على التأكيد بأنه لا يستهدف أي طرف أو شخص بعينه
من خلال حملته هذه، وذلك في سياق الردّ على ما قيل أنه يريد تصفية حساب مع
الرئيس السنيورة، من خلال إثارة ملف الأحد عشر مليار دولار. الحزب يؤكد أن
الأمر أصبح في عهدة القضاء، الذي يراه مخولاً باتخاذ القرار وإصدار
الأحكام. ويذهب الحزب أكثر من ذلك، معلناً أن التحقيقات ستطال أي شخص، أو
مسؤول، محسوباً عليه. فمثلاً، أي مسؤول في حزب الله تثار حوله شبهة معينة،
أو يطرح التساؤل على أعماله، سيحال إلى التحقيق بشكل فوري.
لا حسابات سياسية!
وتشير
مصادر متابعة، إلى أن قضية النائب نواف الموسوي لم تكن تخصّه بشخصه، بل
تهدف إلى بثّ الرسائل إلى الجميع: لا خيمة فوق رأس أحد. ويرمي الحزب، من
خلال هذا المسار الجديد، إلى التأكيد بأن حملة مكافحة الفساد تستهدف كل
الأطراف، بما فيهم المحسوبين على الحزب. وهذه الحملة ستكون بحاجة إلى تهدئة
سياسية داخلية، وعلاقات جيدة مع مختلف القوى السياسية، كي لا يتهم أي طرف
الحزبَ بأنه يريد فتح هذه الملفات لتصفية حسابات سياسية.
يصّر حزب الله على الجدية في فتح كل الملفات. وتكشف المعلومات
أنه كان قد أعدّ مسبقاً أكثر من عشرة ملفات أساسية وحساسة، تمثّل عنواناً
للفساد والهدر، بعضها سيتم إحالته على القضاء، والبعض الآخر، هو عبارة عن
مبادرات، ووضع برامج للإصلاح والتحسين. وبما أنه فتح ملف المالية العامة
حالياً، فلا تستبعد المصادر أن يتم فتح ملف الكهرباء أو الاتصالات، أو حتى
التلزيمات من خارج دائرة المناقصات، وهذه ملفات إذا ما فتحت قد تطال
الحلفاء قبل الخصوم.
فريق استشاريين متخصص
بدأ حزب
الله العمل على إعداد هذه الملفات منذ فترة ليست بالقصيرة. فمثلاً، في
وزارة الصحة، كان قد تم إعداد دراسة سابقة ليتسلّمها الوزير جميل جبق، الذي
دخل إلى الوزارة مطّلعاً ومتابعاً كامل تفاصيل وزارته، وبحوزته ملفّ يولي
أهمية لإنجاز احتياجات المستشفيات والمواطنين. وتؤكد المعلومات، أن الحزب
كان قد كلّف فريقاً إختصاصياً تابعاً له، لإعداد هذه الملفات، وعلى نفقة
الحزب الخاصة، وليس على نفقة الدولة. وهذا الفريق المتخصص يمثّل لجنة
استشارية لوزير الصحة حالياً، وأيضاً على نفقة الحزب، وليس على نفقة
الوزارة.
ويركز الحزب على إعادة تفعيل المؤسسات الرقابية، كالتفتيش المركزي، ومجلس الخدمة المدنية، ودائرة المناقصات. وبحال عدم القدرة على فتح الملفات بشكل قضائي، فسيتم اللجوء إلى الحملة الإعلامية. وتشير المعلومات أن حزب الله بدأ قبل فترة سلسلة اجتماعات، مع كل الجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني، المعنية بملفات الفساد. وقد عمل على الحصول على كل المعلومات المتعلّقة بقضايا فساد، أو بحالات اشتباه فيها. وسيكثّف من هذا النوع من اللقاءات والاجتماعات لإشراك كل القوى المعنية لحملة مكافحة الفساد.
ومن بين النقاط التي سيثيرها الحزب لمكافحة الفساد مثلاً، نقطة أساسية تتعلق بالأجهزة الأمنية. والمعروف في لبنان أن لكل قادة الأجهزة الأمنية “كوتا” توظيفية، وقد أصبحت عرفاً. وما يعمل الحزب على إنجازه هو إلغاء هذا العرف أو التقليد، ومنع حصر اختيار هؤلاء المعنيين بالتوظيف، بيد قادة الأجهزة الأمنية. وقد أبلغ الحزب مختلف القيادات السياسية في البلد بهذا القرار، في طموح نحو القضاء على مفهوم الاستزلام والمحسوبيات.
القدرة على التحمّل
لا شك أن هذه الحملة، التي يفتحها حزب الله، سترتد عليه بالكثير من الهجمات السياسية، أو قد تؤثر عليه سلباً، في علاقته مع حلفائه، الذين قد يضطر إلى فتح ملفات فساد متعلّقة بهم. وهنا يبقى السؤال، حول مدى قدرة الحزب على الاستمرار في هذا المسار، خصوصاً انه مع بدء الحملة، بدأت بعض الأصوات تتعالى، لتعتبر أن الهجوم على السنيورة، يهدف إلى استباق قرار المحكمة الدولية، الذي قد يصدر قريباً. وهذه الأصوات قد تستمر مثلاً لتعتبر أن مطالبات الحزب بشأن المحسوبيات في الانضمام إلى الأجهزة الأمنية، قد يهدف منها حصوله على حصّة وازنة في هذه التعيينات، لإدخال المحسوبين عليه (وربما أيضاً كوادره) إلى أجهزة الدولة، بفعل الأزمة المالية التي يمرّ بها. كل هذه التحديات ستكون موجودة، ليبقى الأمر ملقى على عهدة الحزب، في استكمال الحملة أو في كيفية التعامل مع ما قد يعترضه.
منير الربيع /المدن