هكذا خُطّت «حملة الضوابط» بين برِّي ونصرالله
للمرة الأولى منذ إثارة قضية الـ11 مليار دولار، قرّر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الخروج عن صمته لشن «حملة استباقية» تسبق كلمة المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم.
السنيورة نفسه اعترف أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح المسألة قبل نحو تسع سنوات، فيما «التيار الوطني الحر» وثّق ما اعتبرها «التباسات» و«ارتكابات» تلك الحقبة في كتاب «الإبراء المستحيل». لكن السنيورة لم يجد نفسه مضطراً للرد شخصياً، بالورقة والقلم وبالسياسة، إلاّ حين قرّر «حزب الله» الانتقال في حملته لمكافحة الفساد من المنبر إلى مكتب المدّعي العام المالي.
يُشهَد لرئيس الحكومة السابق أنّه «ملِك الأرقام والفتاوى المالية»، وأنّ في استطاعته أن يحاضر لساعات وساعات عن قواعد إدارة المالية العامة وخزينتها وموازنتها، وتلقين من حوله دروساً في الانتظام المالي والسياسات الضريبية.
ولهذا لم يتمكن من قمع «الأستاذ» الذي في داخله، فبدا في جزء من مؤتمره الصحافي محاضراً في الإدارة المالية، عائباً على منظّمي حملة الـ11 مليار، «جهلهم» في التمييز بين مفهوم الموازنة والميزانية، وأنّ «مسطرتهم» للقياس «معطوبة»، وأنّ الكيل بمكيال الليمون (حساب الخزينة) لا يشبه الكيل بمكيال التفاح (حساب الموازنة)!
أما القسم الثاني من مؤتمره فكان مطالعة دفاعية بالأرقام والقواعد المنطقية، التي تجعل من الاستحالة إسقاط موازنة الـ2006، التي بلغت نفقاتها حوالى 10 الآف مليار ليرة على السنوات التي تلتها، مع تعاظم حجم النفقات التي بلغت في موازنة 2017 نحو 25 ألف مليار ليرة، وأن هناك أكثر من 22 برنامج انفاق أقرُّت في العام 2005 ولم تُلحظ، كون الحكومات المتعاقبة لم تحضّر موازناتها أو لم تقرّ.
اما القسم الثالث والأخير من المؤتمر فبدا أشبه بمضبطة اتهامية هجومية، ولكن في السياسة، مركزّة ضدّ «حزب الله»، معتبراً أنّ «الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي، ويُعتَبَر فاسداً سياسياً كل من يُقيم دويلات داخل الدولة».
في الشكل، يُلاحظ أنّ السنيورة تقصّد فلش اثباتات «براءته» وجداولها على منبر نقابة الصحافة، وليس في «بيت الوسط»، لما لهذا البيت من رمزية سياسية، على رغم من تأكيده أنّ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري إلى جانبه.
في اختصار، حاول السنيورة وضع خطوة النائب حسن فضل الله في خانة الاستهداف الشخصي «المُفبرك» له ولفريقه السياسي من خلفه، ما يستدعي السؤال حول موقف الحريري من هذه الحملة.
ورغم من أنّ «عمّته» النائب بهية الحريري كانت في الصفوف الأمامية للمشاركين في المؤتمر، لكن أداء رئيس تيار «المستقبل» قبل الانتخابات النيابية وخلالها وبعدها يفتح باب الشكوك على مصراعيه.
بحسب «حزب الله»، المسألة لا تتحمّل السجال في الإعلام، وترفض مصادره الدخول في متاهة الردود الاعلامية، وتكتفي بالقول إنّ «الحزب» يجهّز سلسلة ملفات في إطار مكافحة الفساد، سلّم بعضها إلى المدّعي العام المالي ويجهّز البعض الآخر. «ومن لديه كلام آخر فليتوجّه إلى القضاء المختص».
ولكن المطلعين على خفايا الأمور، يعرفون جيداً أنّ ما يقوم به «حزب الله» ليس ابن ساعته، وغير مبني على استهدافات شخصية أو فئوية، وإنما اعتباراته أبعد من الـ11 ملياراً.
تفيد المعلومات، أنّ مسألة مكافحة الفساد تمّ التفاهم عليها بين بري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في اللقاء الأخير الذي جمعهما بعد طول انقطاع في 28 أيار الماضي، وذلك عقب الانتخابات النيابية، حيث تمّ الاتفاق على تفاصيل مرحلة ما بعد تأليف الحكومة، ومن بين عناوينها الأساسية حملة مكافحة الفساد التي ستكون هدفاً مركّزاً للحزب بالتعاون مع رئيس مجلس النواب.
وتضيف المعلومات، أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل سبق له أن أثار هذه المسألة أيضاً في اللقاءات التي جمعته مع السيد نصرالله قبيل الانتخابات، حيث أبلغ باسيل إلى مضيفه أنّ «التيار» مصرّ على الشروع في حملته لمكافحة الفساد جدياً، بحيث لا تستثني أي طرف، طالباً مساندته في «حرب التحرير الداخلية».
هكذا، ثمة من يعتبر أنّ «حزب الله» يسعى من خلال فتح ملفات الماضي إلى حماية بيته الشيعي اذا ما قرّر حليفه العوني رشق هذا البيت بحجارة الفساد، على قاعدة أنّ «حليفك «المستقبلي» ليس أفضل حال».
ولكن ثمة وجهة نظر أخرى تقول إنّ «حزب الله» يسعى فعلياً إلى حماية المالية العامة من الانهيار، كونه سيكون أكثر المتضررين من غرق السفينة. فمشروعه الاستراتيجي سيُصاب في صميمه اذا ما تعرّض «القلب» لنوبة مالية قاسية.
ويشير أصحاب وجهة النظر هذه، إلى أنّ حملة «حزب الله» ليست استهدافاً سياسياً، خصوصاً وأنّ الحاجة إلى «الحريرية» السياسية لا تزال ضرورة قصوى، وإنما تسعى أساساً إلى وقف مزاريب الهدر والفساد ووضع ضوابط مسبقة لـ«حكومة الى العمل» التي سيتسنى لها صرف مليارات الدولارات في مشاريع استثمارية، وبالتالي إذا لم تُصرف هذه المبالغ بحكمة ودقة فإنّ الدين العام سيهدّد كل الاستقرار الداخلي، وهذا ما يخشاه «الحزب» ويتجنّب بلوغه.
كلير شكر / الجمهورية