هذا ما تخطّط له واشنطن على أرض لبنان…
العرب اللندنية
لوحظ أن مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساثرفيلد، الذي جاء للتحضير لزيارة وزير الخارجية مايك بومبيو لبيروت قريبا، لم يلتق رئيس الجمهورية ميشال عون ولا رئيس المجلس النيابي نبيه برّي. واقتصرت زيارته على محادثات مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل ومع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس “حزب الكتائب” سامي الجميل ورئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
وقالت مصادر سياسية إن ساثرفيلد حرص على تأكيد أن الولايات المتحدة حريصة على الاستقرار والأمن في لبنان، لكنّها تدعو إلى اتخاذ موقف من السياسة الإيرانية وعدم ترك طهران تتدخل في لبنان.
وشدّد على أن بلاده لن تتراجع عن سياسة فرض عقوبات على إيران، موضحا أن هدف الولايات المتحدة ليس إسقاط النظام في إيران بل جرّه إلى التفاوض على أساس النقاط الـ12 التي حددها وزير الخارجية الأميركي بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن تمزيق الاتفاق النووي في شأن الملفّ النووي الإيراني. وتشمل هذه النقاط الدور الإقليمي لإيران، بما في ذلك نشاطاتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن والصواريخ الباليستية التي تنتجها وتقوم بتجارب عليها.
وتنتظر العاصمة اللبنانية الزيارة التي سيقوم بها بومبيو منتصف الشهر الجاري، والتي تأتي بعد سلسلة زيارات قام بها موفدون أميركيون خلال الأسابيع الماضية. وترى أوساط مراقبة أن بومبيو يأتي لتعزيز الرؤية الأميركية في المنطقة عامة ولتعزيز موقف واشنطن في ما يتعلق بالموقف من إيران وروسيا.
ويتوقع أن يبلّغ وزير الخارجية الأميركي لبنان حدود ما هو مسموح وما هو ممنوع في شكل العلاقة مع إيران.
وسترفع زيارة بومبيو المقبلة من الضغوط على بيروت للمحافظة على سياسة النأي بالنفس التي تبرر لواشنطن استمرار دعمها العسكري للجيش اللبناني. كما أن الزيارة، التي تأتي قبل توجه الرئيس اللبناني إلى روسيا، هدفها كبح اندفاعة موسكو في الداخل اللبناني.
ويعتبر محللون أن بومبيو، الذي أجرى جولة عربية قبل أسابيع، ينظر إلى زيارته اللبنانية بصفتها أساسية في الاستراتيجية الأميركية في مواجهة إيران وتأكيد موقف الولايات المتحدة من حزب الله.
ويرى هؤلاء أن واشنطن، التي صعدت عقوباتها ضد حزب الله، تعوّل على ما سيقوله بومبيو وما قاله الموفدون الأميركيون الآخرون لتعزيز موقف الدولة اللبنانية لاتخاذ مواقف متشددة ضد منطق اللادولة الذي يسعى حزب الله إلى فرضه على لبنان.
وتلفت مصادر سياسية لبنانية إلى أن زيارة بومبيو تأتي على خلفية موقف أميركي معزّز لفريق 14 آذار وخياراته السيادية المعادية لنظامي دمشق وطهران.
وعلى الرغم من أن بعض الأوساط تشكك في إمكانية قيام الولايات المتحدة بقلب التوازنات الداخلية التي تميل داخل الحكومة والبرلمان لصالح حزب الله، إلا أن ما سيحمله الوزير الأميركي سيؤسس لمرحلة أخرى ويصوّب بعضا من الاختلال الحاصل في موازين القوى في لبنان.
وظهرت أعراض ما سيحمله بومبيو في ما قاله ساثرفيلد للشخصيات التي التقاها والتي عكست شرحا مستفيضا عن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة لاسيما في ما يتعلق بسوريا وإيران. وعلى الأرجح فقد تبلغ حزب الله من خلال أصداء هذه الزيارة التوجهات الأميركية الحازمة التي سيؤكدها بومبيو للحكومة اللبنانية الأسبوع المقبل.
وأشارت المصادر إلى اهتمام الطرف الأميركي بحلّ الخلاف الحدودي البري والبحري بين لبنان وإسرائيل على الخط الأزرق وفي المنطقة الاقتصادية.
وفيما سمع الموفد الأميركي من اللبنانيين ما يشبه الإجماع حول هذه المسألة حفاظا على حقوق لبنان، تنتظر بيروت أن يحمل وزير الخارجية الأميركي سيناريو جديدا لنزع فتائل الانفجار الحدودي والذي ما زال يعطل أنشطة التنقيب عن النفط داخل المناطق البحرية المتنازع عليها. وسيكون من مصلحة واشنطن أن تلعب دور عراب التسوية الحدودية في محاولة لوضع كوابح أمام الدخول الروسي على خط هذا القطاع بعد أن منح لبنان شركة روسية ترخيصا لتشغيل منشآت النفط في طرابلس شمال لبنان.
وتكشف مصادر دبلوماسية في بيروت أن واشنطن تولي أهمية للشأن اللبناني بعد إعلان ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، وأن الولايات المتحدة سترفع من مستوى حضورها في لبنان كما في العراق في مسعى للضغط على النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما أن “الهجوم” الدبلوماسي الأميركي على لبنان هدفه التصدي لهجوم دبلوماسي إيراني بشّر به الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مؤخرا، قبل أن تجسده الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان حاملا عروضا إيرانية شملت مسائل تتعلق بالبنى التحتية والتسليح والتبادل التجاري.
وفيما يدور جدل في الداخل اللبناني حول مسألة اللاجئين السوريين والعلاقة مع النظام السوري، ينتظر أن ينقل بومبيو إلى بيروت موقف الغرب الرافض لأي تطبيع مع النظام السوري قبل الدخول في تسوية سياسية حقيقية، وهو أمر سمعه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الرياض، الثلاثاء، وأعلن عنه وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير الذي عبر عن موقف عربي ما زال رافضا لأي تطبيع مع دمشق قبل حصول تقدم في العملية السياسية.
وسيعزز الموقف الأميركي السعودي موقف التيارات اللبنانية الرافضة لعملية الابتزاز الحالية التي تود فرض تطبيع في علاقات بيروت ودمشق كشرط لبحث مسألة إعادة اللاجئين السوريين.