الملتقى الثقافي الجامعي نشأة ونشاطاً
ا
بقلم الدكتور علي مهدي زيتون*
ركنان شديدان استند إليهما الملتقى الثقافي الجامعي في نشأته الأولى: حركةُ الريف الثقافيةُ وما تعنيه شخصيّةُ مؤسّسِها وعمادِها محمود نون، والجامعة اللبنانية وما يعنيه حراكُ كلية الآداب الثقافيُّ على امتداد تاريخها البقاعي. قام الملتقى على أكتاف العديد من أساتذة الجامعة اللبنانية الذين أطرّوا العديد من طلابهم في حضنِ ثقافي دافئ، وبدأوا الرحلة الشاقة. ووصفُ الرحلةِ بالشاقة أمرٌ مقصود. يعني في ما يعنيه تجنّبَ الترف الطاووسي، خصوصاً أنّ الثقافة العربية تعيش مأزقاً، والعقل العربي لم يطرح على نفسه الأسئلة المرّة بعد. حتّام تظلّ مرحلة المثاقفة مع الغرب قائمة؟ أما آن لنا أن نمتلك تلك الثقافة الغربية تملّكا واعيا تبرز من خلاله شخصيتُنا فنتمكّنُ من العودة إلى تراثنا المتعلّقِ بمختلف حقول المعرفة، فنتملّكُهُ من جديد، من خلال تفتيحِ الأكمامِ التي أنتجها للثقافة الإنسانية، ولم تكن لها فرصةُ التفتّح بسبب الليل الطويل الذي بدأ مع القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي وظلّ قائماً حتى (غبارِ 1918) الذي اصدرته الحرب العالمية الأولى؟ وما كان الملتقى الثقافي الجامعي ليخطر بباله، ولو للحظة واحدة، أنه الحمّال الوحيد لهذا الهمّ، كما لم يدُرْ في خلده لثانية واحدة أنّه القادرُ وحدَه على القيام بهذا الحمل. حسبُه أن يتعهّد أقلاماً واعدة، وباحثين يُنتظر منهم القيامُ بالدور الشاق، أو المشاركة في تحديد معالم ذلك الدور، وحسبه أن يكون ديموقراطياً لا يأخذ إلا بما أفرزه العقل الجمعي لهيئته الإدارية المتلاقية مع جميع أعضاء الملتقى في محاولة لتوسيع دائرة العقل الجمعي الذي يقود العمل، إيماناً منه بأن مساهمة الأعضاء في تشكيل المواقف والآراء أمرٌ كبير الفائدة، وهو المطلوب في معركة العقل العربي للتخلص من كلّ القيود التي اربكته طيلة ثمانية قرون.
وكان النشاطُ الأوّل الذي قام به الملتقى ممتداً على مدار عام كامل. كان نشاطاً بحثياً متصلاً بالهمّ الثقافي الذي أرّقه وشغل باله: عَنيت الحياة الثقافية العربية، وإذا كانت الرواية نوعاً أدبيّاً حمّال هموم، اتخذنا من الرواية العربية التي صدرت العام 2010 وما قبله مادّة دراسة. وإذا كنا نرى أن الرواية نتاجُ ثقافة المرحلة التي تفيّأت تحت ظلالها، كان موضوع أيّ باحث من باحثي الملتقى إجابة عن السؤال الآتي: ما الذي التقطته هذه الرواية أو تلك من روايات العام 2010 مما سيسمّى خطأ بالربيع العربي؟ امتدت دراسات الباحثين على مدى عام كامل أو يزيد، إذ كنا، كلّ شهر، نناقش ما
كتبه هذا الباحث أو ذاك نقاشاً جمعيّاً. حين ينهي أحدُنا بحثَه كنّا نوزّعه على جميع الأعضاء ليقرأوه، وليكونوا على بيّنة من أمر ما سيدور حوله من نقاش، فيتمكنوا من أغنائه بما حضّروه كتابة أو مشافهة. وكان على صاحب البحث أن يفيد من هذا النقاش في تطوير بحثه وتحسينه. وكان أن أصدرنا تلك البحوث في كتاب ضمّها جميعها. وممّا يجدر ذكره، في هذا المقام، أننا في أجواء العمليّة البحثية تلك كنّا مقدّرين أنّ ما سمّي بالربيع هو ربيع، فالبداية لم تسمح لتَبيُّن الخيطِ الأبيضِ من الخيط الأسود. لم يدر في خلدنا، يومها، أنّه تمهيد لمّا سيسمّى بصفقة القرن، وأنّ الغرب ما زال (يستصغر) عقلنا ويلعب على حبالِ يريد لها أنّ تخنقنا. ولا أدافع بذلك عن الذين سقطوا في معمعة تلك الفوضى، ولا أبرّئهم ممّا يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه. يبقى أن المطلوب من الملتقى أن يستمّر في قراءة النتاج الأدبي العربي شعراً، كان أم قصة، أم رواية، سنة سنة، وانطلاقاً من المناخ الثقافي السائد، وممّا وصل إليه وعيُنا. وذلك من أجل الوصول إلى معرفة دقيقة بوضعيّة الثقافة العربية، تمهيداً للسير بها، وبالتعاون مع جمع العاملين، في هذا المضمار، نحو خلاصها. والذي جرى أنّنا تعاونّا مع جهات ثقافية أخرى على إجراء مؤتمر ثقافي سنويّ موضوعه الثقافة المقاومة والأدب المقاوم. ولقد كانت كليّة الآداب، بفرعها الرابع حضنا دافئاً فتحت صدرها للعديد من جلسات ذلك المؤتمر. وكان أن اتجه باحثو الملتقى إلى المشاركة في تلك المؤتمرات السنويّة. وانشغلوا عما كانوا قد بدأوا به. ولكن، مع غياب ذلك المؤتمر الربيعي للسنتين الماضيتين بسبب الانتخابات النيابيّة، حاول الملتقى العودة إلى سيرته الأولى، محدّدا مادة جديدة، وموزّعا موضوعاتها على الباحثين من جديد.
وإذا لم يكن هناك متسع من الوقت لعرض النشاطات التفصيليّة التي قام بها الملتقى على صعيد المهرجانات الشعرية، والندوات الثقافية العامة التي شارك فيها باحثون ومفكرون لبنانيون وعربٌ وغيرُ عربٍ، وما قام به من رعاية لأقلام شعريّة وقصصيّة هي مما يُعتّز به، فإنّ الملتقى يعرف حجمه، ومدى قدرته، وما يعترضه من صعوبات. ولن يدّعي بأنه قد شارك في نقلة إنمائية ثقافيّة بقاعيّة، أو لبنانية، أو عربية ملحوظة. يكفيه أنه حاول إضاءة شمعةِ في زاوية مظلمةٍ. وإذا أردنا الإفادة من اجتماعنا هذا، أرى أن نكون منطلقا لإقامة مؤسّسة أمٍّ تضمّنا جميعا ، وتسعى للقيام بدورٍ رائدٍ ينتظرها.
أن تجريَ أوّلا اتّصالا بسائر المؤسّسات الثقافيّة القائمة على الساحة اللبنانيّة، وتحاولَ إقامةَ وحدةٍ معها.
وأن تقيم الوحدةُ المتحصّلة من جميع تلك المؤسّسات ثانيا مؤتمرا سنويّا موضوعه البحث عن العوائق التي تحول دون أن تصبح الثقافة العربيّة ثقافة منتجة تصبّ إلى جانب روافد الثقافة العالميّة في نهرٍ هدّار واحد يخرج بالانسان، في جميع بقاع الأرض، من توحّشه ليصير إنسانا ثقافيّا حقيقيّا. ولا يكون ذلك إلّا عبر تمكين العقل العربي من أن يطرح على نفسه الأسئلة المحرجة والتي تمثّل الإجابةُ عنها منطلقَ شفاء من أمراضنا، فيكونَ ذلك الشفاءُ تمثيلا دقيقا لخصوصيّتنا التي سترفد الثقافة العالميّة بما يجعلها ثقافة إنسانيّة .
*مدير الفرع الرابع سابقا في الجامعة اللبنانية -كلية العلوم الإجتماعية – والرئيس السابق لقسم اللغة العربية وآدابها في الفرع الرابع.