باسيل يحكم قبضته.. وفرنجية يقود حركة مسيحية مضادة
تعيش “المسيحية السياسية” (إن صح التعبير) هذه الأيام على وقع انقسام من نوع جديد، تختلط فيه الأوراق، بعد أن بدا أن الوزير جبران باسيل يستفرد بزمام المبادرة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وهيمنة على الإدارة العامة ووظائفها.
بمعية الحزب والرئيس الوزير باسيل لا يترك فرصة، إلا ويسعى للافادة منها، لتعزيز مواقع نفوذه. فهو استطاع أن يقدم نفسه حليفا موثوقاً لـ”حزب الله”، مع هامش مناورة تركه الحزب له، بما ينسجم مع مقتضيات العمل على الساحة المسيحية، وحساسياتها التاريخية والمحدثة. كما أنه، أحكم سيطرته على التيار الوطني الحر، بمباركة وتشجيع ودعم مطلق من الرئيس الجنرال. واستطاع إقصاء واستيعاب حالات الاعتراض التي نشأت في وجهه. وهو حالياً، يعمل على تمكين سيطرته على المفاصل الرخوة في التيار، داخل لبنان وخارجه. تزامنا، استطاع باسيل بحكم قربه من الرئيس، الذي يمحضه ثقته التامة، أن يحكم قبضته على التعيينات الإدارية ووظائف الدولة، بفئاتها من الأولى إلى الرابعة والخامسة، على نحو باتت جميعها تمر عبره، خصوصا المارونية منها. وهذا ما يمنح باسيل، زخماً شعبياً على المستوى المسيحي عموماً، والماروني تحديداً. واستكمالا لعدة انتخاب رئيس مقبل للجمهورية، يعمل باسيل على الإفادة من موقعه كوزير للخارجية، لبناء شبكة علاقات خارجية مع زعماء العالم شرقاً وغرباً. مشاغل الخصوم إن عناصر القوة هذه، التي استطاع باسيل جمعها في فترة قياسية لم تتح من قبل لأي شخصية مسيحية، استدعت حال استنفار، بعد تراخي “خصومه” على الساحة المسيحية، وانشغالهم كل منهم بقضايا لا تمس هواجس باسيل وانشغالاته. فالقوات اللبنانية مهمومة بتقديم وزرائها ونوابها، على أنهم الأفضل إداءً في الحكم. والوزير سليمان فرنجية يعتمد على وعد السيد نصرالله بدعم ترشحه للرئاسة المقبلة. وحزب الكتائب يضيع بين الاهتمامات المدنية والاجتماعية للمواطنين اللبنانيين، وبين الخلافات الداخلية، وإعادة هيكلة الحزب، وجعله قادراً على استعادة دوره التاريخي، بطبعة حداثوية. وهذا حدث في حين نجح قانون الانتخابات والتحالفات الهجينة في تغييب المستقلين المسيحيين، وتطويع من رغب في دخول جنة النيابة تحت أجنحة الأحزاب المسيحية. إزاء هذا الواقع، أوعزت جهات في قوى 8 آذار، متضررة من نشاط الوزير باسيل، إلى الوزير السابق سليمان فرنجية، للبدء بحركة سياسية، تعيد التوازن إلى “الساحة” المسيحية، وتحرك المياه الراكدة فيها، في الوقت الضائع قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. حركة فرنجية لقد بدا أن “كسل” الوزير فرنجية، بالنسبة للحلفاء، لم يعد مبرراً، خصوصاً أن الوزير باسيل يحقق يومياً “إنجازات” على كل المستويات التي يعمل عليها، على نحو يصبح من الصعب لاحقاً مجاراته أو تجاوزه. بدأ فرنجية حركة سياسية من بيت الكتائب في الصيفي. ونجح مع النائب سامي الجميل، في وضع نقاط الخلاف بينهما جانباً، خصوصاً بما يتعلق في الشأن الإقليمي. واتفقا على معظم الشؤون الداخلية، بما يؤسس لتفاهم وتنسيق بين الجانبين على المستوى اللبناني. حركة فرنجية لن تقف عند حدود الصيفي بل ستتمدد إلى معراب. وقال فرنجية إن اللقاء مع القوات حاصل حكماً. فالمهم هو حدوث اللقاء (حسب فرنجية)، وليس مكانه، سواء في معراب أو في بنشعي، أو أي مكان آخر. إلى أين سيؤول مآل حركة فرنجية؟ الحركة انطلقت وهي لن تتوقف. ونجاحها رهن بإرادة الأفرقاء المسيحيين على تشكيل حالة تتمايز عن المواقف المتناقضة والشعبوية، التي تخرج عن القيادات المسيحية تباعاً، وتزج المسيحيين في ما هم ليسوا فيه.
المدن