باسيل عصا حزب الله لتحطيم النظام اللبناني
تعليقاً على المشهد السياسي الذي يحتلّه الوزير جبران باسيل
في لبنان، أسئلة كثيرة تطرح حول قدرة الرجل على افتعال الإشكالات مع مختلف
القوى السياسية. والسؤال الأول الذي يطرح، يتعلّق بحقيقة موقف حزب الله من
تصرفات باسيل، الذي يعمل على تطويع وتطويق ومحاصرة كل خصومه أو منافسيه.
ويستعد للإمساك بكل آليات السلطة.
اشتباكات مع الجميع
ليست
المرّة الأولى التي يخوض فيها باسيل معركة من هذا النوع، فمنذ تسوية 31
تشرين الأول، بدأ باسيل معركته على الساحة المسيحية بوجه رئيس تيار المردة
سليمان فرنجية، وبعدها انقلب على اتفاق معراب مع القوات اللبنانية، وسعى
إلى محاصرتها وإحراجها لإخراجها. ودخل أيضاً في اشتباكات متعددة مع رئيس
مجلس النواب نبيه برّي، بأكثر من ملف. وعلى الرغم من حرصه على العلاقة مع
رئيس الحكومة سعد الحريري، إلا أن باسيل لا يتوانى عن تسجيل الأهداف
المؤذية في مرمى رئيس تيار المستقبل، من سجال الصلاحيات إلى التعيينات، وما
بينهما من استحقاقات إدارية وسياسية وحكومية.
يتعامل باسيل مع الحريري وكأنه أصبح أسيراً لديه، ومع فرنجية وكأنه حبيس زغرتا. أما القوات فهي بالنسبة إليه غير قادرة على مواجهته أو مجاراته مسيحياً. ولا يتوانى عن افتعال إشكالات مع الحزب التقدمي الاشتراكي أيضاً.
طبعاً رهان باسيل، في كل تحركاته هذه، قائم على دعم حزب الله
له، وفق منطق أن الحزب بحاجة دائمة إلى غطاء مسيحي يوفره باسيل. لكن أيضاً
رهان رئيس التيار الوطني الحرّ، في كل ما يسعى إليه، يبقى مرتكزاً على موقف
الحريري، الذي تراه أطراف عديدة موقفاً باهتاً تجاه حلفائه القدامى، أي
تجاه نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع. ولولا تلكؤ الحريري، لما استطاع
باسيل استهداف كل هذه الشخصيات.
ضعف الحريري
ثمة عتب لدى
مختلف هذه القوى على الحريري وأدائه، والذي يسمح لباسيل بتحقيق ما يرمي
إليه، خصوصاً أن الأخير يتسلّح بالثلث زائد واحد وزارياً. أي أنه قادر على
الإطاحة بالحكومة ساعة يريد، أو عرقلة أي جلسة لا يريدها، ما لم تكن وفق
متطلباته. لكن الأكيد أيضاً أن باسيل لا يستند إلى قوته الذاتية، ولا إلى
ضعف الحريري.. فتحركاته تصب استراتيجياً في مصلحة حزب الله. وهنا يمكن
الإجابة على السؤال الأساسي، حول سبب صمت حزب الله عن توسع باسيل وتمدده
إلى هذا الحدّ. صحيح أن الحزب منهمك بأمور أخرى خارج التفاصيل اللبنانية،
بينما باسيل يتنعم بالصولات والجولات وفق ما يشتهي. لكن أيضاً لو لم تكن
تحركات باسيل تلائم الحزب، لما استطاع الإقدام عليها. ففكرة حيازته للثلث
زائد واحد في الحكومة، هي فكرة حزب الله في الأساس. صحيح أن لدى باسيل 11
وزيراً نظرياً في الحكومة، لكن أيضاً الحزب يمتلك هذا العدد من الوزراء،
ويبقى مصير الحكومة بيده، من دون احتساب وزراء التيار الوطني الحرّ.
أن يخرج الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، قبل
أيام، معلناً عن عدم موافقته على الموقف اللبنانية في قمم مكة، هو دليل
بارز على الرؤية الاستراتيجية للحزب تجاه لبنان في هذه المرحلة. وهو الذي
تحدث بلسان محور الممانعة، مقدماً نفسه عنصراً مقرراً في هذا المحور، أعلن
الخطوط العريضة للموقف اللبناني، ورسم السقف السياسي للحكومة وتوجهاتها،
بإعلانه أن الموقف لا يمثل لبنان (بمعزل عن تنسيق الموقف بين الحريري وعون
من عدمه). أن يعلن نصر الله أيضاً الاستعداد لإنشاء مصانع صواريخ، فهذا
يعني أن لبنان أصبح في مكان بعيد جداً عن النأي بالنفس، وبعيد أكثر عن كلام
الحريري للمجتمع الدولي.
إلّا نبيه بري
حراك باسيل في
لبنان مدعوم من حزب الله، أو على الأقل بتغاضي الحزب عنه. لكن لدى الحزب
خطوط حمراء، وهي عدم مسّ باسيل برئيس مجلس النواب. فعلى الرغم من وجود
تقديرات لدى بعض القوى أن باسيل يحاول استهداف رئيس المجلس، لتسجيل المزيد
من النقاط لصالحه على حساب برّي لدى حزب الله، إلا أن الحزب يعمل دائماً
على إحضار باسيل إلى عين التينة. وهذا ما تجلى مؤخراً في الزيارة التي
أجراها لإبلاغ رئيس المجلس مجريات التفاوض مع العدو الإسرائيلي على ترسيم
الحدود. ففي غمرة سعي باسيل “من أجل استعادة الصلاحيات”، يعمل حزب الله على
تفويض برّي بعملية التفاوض، وهو توافق على ذلك مع رئيس الجمهورية، ومع
باسيل، بحيث أحيل الملف بكامله إلى برّي، لا الى رئاسة الجمهورية ولا إلى
وزارة الخارجية.
في المقابل، تفويض برّي بهذه العملية، يثير حفيظة الحريري
ويزعجه إلى حدّ بعيد، باعتباره أنه كان يتولى بنفسه هذه المفاوضات. وكان قد
أجرى جملة مباحثات مع الأميركيين والأوروبيين والروس في سبيل ذلك، لكن
الحزب الذي له زمام القرارات أراد تفويض برّي بهذه العملية، ما يعني أن
الحزب حريص دوماً على بري، بخلاف وضع باسيل مع كل القوى الأخرى. ففي ظل
الاشتباك بين التيار الوطني الحرّ والحزب التقدمي الاشتراكي، لجأ حزب الله
إلى وقف الاتصالات مع الاشتراكي على خلفية معمل عين دارة. وفي خلاف باسيل
مع القوات اللبنانية يقف الحزب متفرجاً. أما مع الحريري، فيعتبر الحزب أن
أي هجوم أو ضغط يمارسه باسيل على رئيس الحكومة، سيدفع الأخير للجوء إلى
حارة حريك طالباً النجدة والمساعدة وتخفيف الضغط. وفيما يغيب أي نشاط
لسليمان فرنجية عن الساحة السياسية، لا يظهر حزب الله أي تحرّك من شأنه
تعويم رئيس المردة، وسط تقديرات بأن باسيل تقدّم بخطوات كثيرة عن “عين
السيد نصرالله الثانية”، وفق حقائق الواقعية السياسية.
سطوة حزب الله
يستفيد
الحزب من سطوة باسيل، لأنه يدفع كل القوى السياسية في البلد للالتجاء إلى
الحزب والاستنجاد به. وفي ضوء المساعي لإنهاء الخلاف بين “المستقبل”
وباسيل، فإن فاتورة ضخمة سيدفعها الحريري لصالح التيار الوطني الحرّ في
السياسة وفي التعيينات. وهذا الضغط لا ينفصل عن نهج حزب الله، الذي يحدد
السياسة العامة في البلد. إذ تزامن ضغط باسيل على الحريري مع العناوين التي
حددها نصر الله، التي من شأنها إحراج الحريري مع المجتمع الدولي، خصوصاً
أن هناك نظرة عامة نحو الحريري، أنه لم يعد بإمكانه السير وفق المسار الذي
ينتهجه، بمعنى أن يعلن التزامات تجاه المجتمع الدولي، فيما الحال بالداخل
تقول أن الأمرة والخيارات لحزب الله. وعليه، فإن كل هذه الضغوط تهدف إلى
جعل الحريري واقعاً ما بين الموقفين.
لا شك أن حراك باسيل سيكون له ارتدادات على المدى البعيد. إذ كما يحاول خصوم باسيل الذهاب إلى الحزب طلباً للمساعدة بوجهه، سيضطر قائد الجيش جوزيف عون إلى زيادة التنسيق مع الحزب. فلا ننسى أن باسيل ينظر إلى قائد الجيش كمنافس قوي أو غيّر طيّع معه، والدليل كان موقف جوزف عون خلال زيارته لواشنطن، بتأكيده أن أحد يمكنه التسبب بأي اشتباك أو مواجهة بين الجيش وحزب الله.
في المحصلة، وبظل تلهي مختلف الأفرقاء بالتفاصيل الداخلية اليومية، يبقى الحزب في طور رسمه لاستراتيجيته، وفق مصلحته على المديين المتوسط والبعيد، جاعلاً نفسه حاجة لدى كل القوى المتعارضة والمتناقضة.
منير الربيع /المدن