جريح طرابلس صابر مراد: فلسطيني يحب الجيش!
يودع لبنان شهداءه: الملازم أول حسن علي فرحات، العريف في قوى الأمن الداخلي جوني ناجي خليل، الرتيب في الجيش اللبناني إبراهيم صالح، العسكري في قوى الامن الداخلي يوسف فرج.
إضافة إلى هؤلاء الشهداء، كان في المشهد المأساوي العام،
للعملية الإرهابية التي نفذها عبد الرحمن مبسوط ليلة عيد الفطر في طرابلس،
بطل مدني هو صابر مراد، فلسطيني يعيش في لبنان، قام بتعريض نفسه وحياته
للخطر، أثناء محاولته الوقوف في وجه مبسوط، لمنعه من استكمال مخططه، فأطلق
الأخير عليه النار، وأصابه في رأسه وظهره، في تلك الليلة الدامية.
مواجهة
أن
يتقدّم صابر مراد على المشهد، لا يقتصر بُعده على جرأته في الوقوف بوجه
إرهابي، في لحظةٍ بلغ فيها ذروة عنفه الجنوني وحسب، وإنّما لأنه فلسطيني
أيضًا من أمٍّ لبناني، ويعيش في بلدٍ يغرق يومًا تلو الآخر بعنصريةٍ
مقيتةٍ تجاه النازحين واللاجئين من جهة، وتجاه المرأة اللبنانية التي تتزوج
من “أجنبي” ويُحرم أبناؤها من الجنسية وكامل حقوقهم من جهةٍ أخرى.
لا شكّ أنّ صابر مراد، البالغ 33 عامًا، في لحظة تصدّيه للمبسوط، لم يفكر بكلّ ذلك، وربما لم يسبق أن تحسس من عنصريةٍ تُمارس بحقّه، ولم يتحسر على الجنسية اللبنانية، لأنّه عاش سنوات طويلة في استراليا. ففي تلك اللحظة، تحركت حميته، خاطر، و”وضع دمه على كفّه”، اعتقادًا منه أنّ باستطاعته أنّ يقطع المسلسل الإجرامي قبل نهايته، وقبل وصول مبسوط إلى الشقّة في مبنى داخل حي دار التوليد.
يحكي ناصر مراد، والد صابر لـ”المدن”، عن ابنه الذي يرقد
حاليًا في المستشفى الإسلامي في طرابلس، وقد تكفل النائب فيصل كرامي
بتكاليف معالجته، عن الحادث الذي تعرض له ابنه، ويضعه في السياق الطبيعي
لمحبته للبنان بشكلٍ عام، وأنّه غالبًا ما يتصدى لكلّ ظلمٍ واعتداء يقع
أمامه. الوضع الصحي لصابر يبدو مستقرًا، وإن كان لا يزال يعاني من التعب
والوجع جراء إصابته بشظيتين في رأسه وأخرى في ظهره. لا يستطيع صابر أن
يتكلم مع أحد، ولم تؤخذ بعد شهادته في التحقيقات، مراعاةً لوضعه الصحي. في
الساعات الماضية، استطاع أن يتحدث مع والده لبضع دقائق، وأخبره عن تفاصيل
الحقيقية للحادث.
الملاحقة
كان صابر يقود سيارته BMW،
مطبوعٌ على زجاجها الأمامي شعار الجيش اللبناني. فـ”ابني يحب الجيش
اللبناني، وكلنا كذلك، نشعر بالانتماء إلى هذا البلد، حيث نعمل ونقيم
وأنجبنا وكبّرنا أبناءنا”. وحسب ما روى لوالده، فإنّ صابر شاهد مبسوط، وشهد
على ما يفعله قبل وصوله إلى شارع التوليد، تابع خطواته، وكان يحاول اعتراض
طريقه، فأبلغ أحد عناصر القوى الأمنية عن الطريق الذي يسلكه، بعد أن حاوله
منعه من الاعتداء عليهم من دون جدوى، ثمّ لاحقًا ضرب صابر دراجة مبسوط
بسيارته من أجل إيقافه، لكنّ مبسوط سرعان ما توجه نحوه وأطلق النار نحوه من
الأمام ومن خلف السيارة، قبل أن يهمّ بالهروب.
الالتفاف حول صابر وعائلته، من أهل المدينة والقيادات السياسية والأمنية، وفق والده، كان كبيرًا: “لقد نجا ابني بأعجوبة، ولم نصدق أنه بقي حيًا بعد أن سمعنا توارد أخبار الشهداء العسكريين. كان يأمل صابر لو استطاع وضع حدٍّ للمشهد الإجرامي، لكنّ إصابته أعاقت ذلك. وكلّ ما فعله هو بادرة إنسانية ووطنية عفويتان، قبل أيّ شيء آخر”.
التعمية والتعميم
واقع الحال، أنّ قصّة صابر مراد الذي يقبع في العناية المركزة، آملًا الشفاء العاجل من أجل العودة إلى حياته، قد تكون درسًا كبيرًا بوجه كلّ من يغرس أحقادًا ضدّ اللاجئين والنازحين في لبنان، ويسعى لتضليل الرأي العام، بإثارة غرائزهم الطائفية والعنصرية والتمييزية ضدّهم. لكن، تبقى الأزمة الفعلية، أنّ لبنان الذي يسود فيه منطق “التعمية” و”التعميم”، ستبقى فيه كلّ القضايا رهن هاتين الآفتين اللتين ظهرا جليًا في العمل الإرهابي الذي ضرب به مبسوط طرابلس، فذهب السجال العام من بعد باتجاهين: الأول، الاستغلال والاستثمار “الرخيص” لدماء شهداء الجيش وقوى الأمن الداخلي في الصراعات السياسية، وأجنحة النفوذ داخل الدولة والحكومة، وبين الأجهزة الأمنية. الثاني، ضرب ملف قانون العفو العام، برفضه كليًا، باعتبار أن كلّ موقوف إسلامي متطرف هو مشروع عبد الرحمن مبسوط، بدل المطالبة بمحاكمات عادلة ومنصفة، بحقّ موقوفين يقبعون في السجون اللبنانية منذ سنوات طويلة. وفقط المحاكمة العادلة هي الطريقة المثلى، التي تعتبر حقًا قانونيًا مقدسًا لكلّ موقوفٍ في العالم مهما كانت جنحته. عسانا بالعدالة نضمن الخلاص من أبرز الأسباب الكفيلة بخلق نموذج إرهابي مستنسخ عن “عبد الرحمن مبسوط”.
المدن