عبد اللهيان في بيروت: لبنان حصة إيران في المفاوضات
من
إدارة الرئيس باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب، هناك على الأرجح
“تناقض” محسوب ومدروس في المواقف بين الرئيس من جهة، والقيادة العسكرية أو
البنتاغون من جهة أخرى. في عهد أوباما لطالما تحمّس البنتاغون لتوجيه ضربات
إلى النظام السوري، فيما كان الرئيس يعارض ذلك ويعمل على الإحجام عن تنفيذ
أي ضربة. اليوم انقلبت الآية: دونالد ترامب يتحمّس لتوجيه الضربات وشن
الحروب، أقله كلامياً، لكن البنتاغون يحبطها أو يقف في طريقها.
أميركا وصداها الإيراني
قد يكون هذا التناقض جزءاً من توزيع الأدوار.
لكن
ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية يتردد صداه في إيران، التي تركز
على مبدأ الاختلاف في وجهات النظر بين الإصلاحيين والمتشددين، أو بين
الثنائي روحاني – ظريف والحرس الثوري: الفريق الأول يتحمس للمفاوضات
والتسويات، ويفضّل الثاني الخيارات العسكرية والتصعيدية. وفي هذا السياق لا
يمكن الحديث عن إنقسام إيراني، بل عن توزيع أدوار يديره المرشد الأعلى
للجمهورية الإسلامية.
ابتزاز واتفاق
توزيع الأدوار هذا في
الإدارتين، اتضح بقوة في آلية التصعيد الراهن بين إيران وأميركا. فترامب
متشدد مع طهران لصالح دعمه المطلق دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية
السعودية، وأكثر من مرة كان على وشك شن ضربات على مواقع إيرانية، لكن
البنتاغون عارض ذلك. وفي غمرة اندفاع ترامب إلى جانب السعودية، تتعالى
أصوات في الإدارة الأميركية، أو في الكونغرس، هدفها إحراج السعودية: تارة
في حرب اليمن ومسألة التسليح، وطوراً في مواضيع حقوق الإنسان والمعتقلين
وحرية الرأي وقضية الصحافي جمال خاشقجي، لتتحول اللعبة السياسية إلى عملية
ابتزاز واضحة للسعودية. في المقابل غالباً ما يجري التوصل إلى اتفاق إيراني
– أميركي في نهاية المطاف، يدفع العرب – الخليجيون تحديداً – ثمنه السياسي
والمادي.
أقنية اتصال سرية
وصل التصعيد الأميركي ضد
إيران إلى حدود فرض عقوبات على وزير الخارجية محمد جواد ظريف. لكن هذا
القرار جُمّد، وعلى ما يبدو جرى التراجع عنه مقابل زيارة ظريف نيويورك،
وعقده لقاءات مختلفة ومتنوعة. وقد مرّر الرجل من هناك موقفاً لافتاً حول
استعداد إيران للتفاوض على برنامج صواريخها البالستية، شرط عدم التفاوض على
النفوذ وعلى الاتفاق النووي، بمعنى أن تكون المفاوضات الصاروخية مقابل
العودة إلى الاتفاق النووي.
وحسب
المعلومات ثمة قنوات حوار أساسية قد بدأت. وهذا لا ينفصل عن مسألة أساسية
كشف عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: رسائل أميركية تلقاها
الحزب لفتح قنوات تنسيق وتواصل. هناك إذاً أكثر من قناة اتصال بين واشنطن
وطهران، ولا بد من قراءة نتائجها في اليمن: من الموقف الإماراتي إلى الموقف
السعودي الأخير حول السعي إلى إنهاء الحرب، مقابل تكريس إيران مفهوم
أساسي: أمن الملاحة في الخليج، والتي تظل مضطربة في حال لم تلبّ مصالح
طهران. وهذا ما تجلى في عمليات كثيرة حصلت، كان آخرها حادثة اختفاء ناقلة
النفط.
اليمن مقابل المنطقة
كان ترامب واضحاً في شأن
التقدم في المفاوضات غير المباشرة مع الإيرانيين. وهي لا بد من أن تتوج
بتحقيق حلّ للحرب في اليمن، على قاعدة تريح المملكة العربية السعودية. وهذا
يعني أن اليمن يكون مقابل النفوذ الإيراني في المنطقة، على الرغم من أن
طهران لن تتخلى عن نفوذها الكامل هناك، بل ترضى بتسوية توقف الحرب وتبقي
النفوذ، في مقابل تكريس مسؤوليتها على أمن الملاحة في الخليج.
لبنان حصة أيران
هنا
لا بد من السؤال عن سوريا ولبنان، ومسألة الوجود الإيراني فيهما. في سوريا
هناك محاولات عديدة لتحجيم نفوذ طهران. أما في لبنان فهذا أصبح شبه
مستبعد. فزيارة المساعد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان
كوبيتش إلى طهران قبل أيام، ولقائه مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني حسين
أمير عبد اللهيان – وهي زيارة ليست شكلية أو بروتوكولية فقط – تكفي للإشارة
إلى اعتراف دولي بأن لبنان من حصة إيران. وهذا تكرّس بفعل الأمر الواقع.
وتؤكده زيارة عبد اللهيان الأخيرة إلى بيروت، آتياً من دمشق، في توكيد
إيراني على ترابط المسارين وفق المعادلات التي تحدّث عنها نصر الله سابقاً.
زيارة عبد اللهيان
كان
واضحاً موقف حسين أمير عبد اللهيان بعد لقائه الرئيس نبيه بري: دعا لبنان
إلى عدم التأثر بأزمات المنطقة، على قاعدة “أمن لبنان من أمن إيران”. وهذه
الجملة واضحة المعالم والمرامي. وبلا شك أن عبد اللهيان سيلتقي قيادة حزب
الله والسيد نصر الله بالتحديد. وربما عدم رسمية الزيارة تعطيها أهمية أكبر
من أي زيارة بروتوكولية. والبعض يعتبر عدم برمجة الزيارة مسبقاً، يحمل
مؤشراً لافتاً بعد زيارة رؤساء الحكومة السابقين إلى المملكة العربية
السعودية. وهذه إشارة لا بد من التوقف عندها. البعض الآخر يتوقع أن تنطوي
الزيارة على دعوة إلى رص الصفوف، واستنفار العسكر، على قاعدة أن المعركة لا
تزال مفتوحة مع واشنطن، طالما لم يتم الوصول إلى أي اتفاق، وعلى الرغم من
وجود بعض الإيجابيات، فإيران لا تزال غير واثقة بالنتائج.
لا يمكن فصل الزيارة وفحواها عن توقف المساعي لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. فبعض المعلومات يشير إلى أن إيران تفضّل عدم الإستعجال في الترسيم، طالما أن إسرائيل مستعجلة. بمعنى أن إيران غير مستعدة لتسليف أي موقف، ولن تجلس إلى الطاولة في أي مكان قبل تحسين شروطها. ومسألة عدم الإستعجال لها هدف آخر: طمأنة روسيا التي تبدو غير راضية عن المفاوضات التي ترعاها واشنطن. وهذا بلا شك تربطه إيران بمواقف إيجابية أخرى تنتظرها من موسكو في سوريا.
المدن