لغز العميل الفاخوري.. والحنين العوني إلى الجمهورية الأولى
يَمثُل العميل الإسرائيلي عامر الياس الفاخوري قبل ظهر اليوم الثلاثاء، أمام قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، التي ستستجوبه بحضور محامٍ للدفاع عنه في ادعاء النيابة العامة العسكرية ضدّه، بجرائم “الانضواء في صفوف قوات العدو، واكتساب الجنسية الإسرائيلية وتعذيب مدنيين والتسبب بقتل البعض منهم”.
ويفترض أن تحدد جلسة اليوم
الثلاثاء مصير المسؤول العسكري السابق عن معتقل الخيام، المتورّط بتعذيب
المعتقلين اللبنانيين داخل أقبيته خلال فترة الاحتلال لجنوب لبنان، وقتل
مواطنين تحت التعذيب وإخفاء جثث بعضهم، على أن تقرر قاضية التحقيق في ضوء
الاستجواب، إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقّه، أو إطلاق سراحه إذا ما تبيّن
لها أن الجرائم المدعى بها، أو تلك التي ارتكبها قبل تحرير الجنوب ساقطة
بمرور الزمن، وإن كانت الترجيحات تميل إلى إصدار مذكرة توقيف بحقّه.
هجرة العملاء
وبانتظار
أن يحسم القضاء العسكري طبيعة جرائم الفاخوري وخطورتها، لا تزال بعض القوى
السياسية تبحث عن مخرج يجنّبها الإحراج، ويبعد عنها شبهة التورّط في
“توفير الغطاء السياسي والأمني لعودة هذا العميل”، التي لم تكن تتوقع إثارة
مثل هذه العاصفة، حيال هجرة العملاء إلى لبنان، في ظلّ معلومات تحدثت عن
عودة سرّية لما يقارب الـ 60 عميلاً آخر قبل الفاخوري، بعضهم أشدّ خطورة
منه. ولا يجد التيّار الوطني الحرّ وحلفيه “حزب الله” حتى الآن، المخرج
الملائم لتبرير ما حصل. وهذا ما يفسّر الصمت المطبق للحليفين، وإحجام أي
منهما عن إصدار بيان رسمي أو موقف لأحد وزراء ونواب الفريقين، باستثناء
الكلام العرضي لوزير الخارجية جبران باسيل، الذي حاول حفظ ماء الوجه،
بتأكيده أن “الفاخوري لا يمثّل الوجه الحقيقي لكلّ الموجودين في إسرائيل”،
غير أن التفسير المنطقي لهذا الكلام يفضي إلى نتيجتين، الأولى أن باسيل لم
يتنصّل من مسؤوليته عن حمل لواء إعادة اللبنانيين الموجودين في إسرائيل تحت
مسمّى “المبعدون قسراً”، والثاني تعبيد الطريق أمام “حزب المقاومة” لإيجاد
المخرج الملائم لترتيب تلك العودة، سواء بقانون العفو العام العتيد، أو أن
يسلّموا أنفسهم للجيش اللبناني ومن ثمّ تقديمهم إلى المحاكمة، خصوصاً وأن
هذا الملفّ أدرج بنداً أساسياً في ورقة مار مخايل التي وقّعها الرئيس ميشال
عون (كرئيس للتيار الوطني الحر) والأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن
نصرالله، في 6 شباط 2006، والتي أسست لتحالف سياسي عميق، وفرّ الغطاء
المسيحي لوظيفة سلاح “حزب الله” في الداخل والخارج، مقابل الضمانة التي
أمنها الحزب وأفضت إلى وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بعد
عامين ونيّف من الفراغ الذي خيّم على قصر بعبدا.
العملاء والجمهورية الأولى
ملفّ
الفاخوري لا يشكّل سابقة في تغطية “حزب الله” لعملاء قريبين سياسياً من
التيار الوطني الحرّ، أو آخرين يدورون في فلكه، ويكفي الإشارة إلى ملفّ
القيادي البارز في التيار البرتقالي العميد المتقاعد فايز كرم، الذي حكمت
عليه المحكمة العسكرية بعقوبة الأشغال الشاقة 10 سنوات، وجرى تخفيفها إلى
السجن سنتين فقط، علماً أن قضية كرم لم تثر حفيظة “حزب الله”، رغم
اعترافاته الصريحة في التحقيقات الأولية والاستنطاقية، بأن مشغليه في
الموساد الإسرائيليين، كلّفوه ببناء علاقة وثيقة مع قادة سياسيين في “حزب
الله” والتقرّب منهم، ومع ذلك تجنّبت قيادة الحزب التعليق على هذه القضية،
وأيضاً تجنّبت وسائل اعلامه التطرق إلى هذه المحاكمة والأحكام التي صدرت
بحقّ كرم، حتى أن أحد إعلاميي الحزب، أقرّ صراحة بأن الاعلام الحربي يلتزم
تعليمات القيادة في عدم مقاربة هذا الملفّ الحساس لا من قريب ولا من بعيد.
ولا تقف الأمور عند هذا
الحدّ، إذ أن قيادياً سابقاً في التيار الوطني الحرّ، أوضح أن “ملفّ
مليشيات “جيش لبنان الجنوبي” يشكل حساسية مفرطة لقيادة التيار العوني،
باعتبار أن قادة هذه المليشيات المتعاملة مع إسرائيل، هم ضبّاط سابقون في
الجيش اللبناني، بدءاً من سعد الحداد إلى أنطوان لحد وكلّ الذين انشقّوا
معهم، بوصفهم أحد أوجه الجمهورية الأولى، أي جمهورية ما قبل اتفاق الطائف،
ومن هنا لا يتردد هذا التيار بالتفرّد بحمل راية إعادة كلّ العملاء الذين
فرّوا مع لحد إلى إسرائيل، غداة انسحاب إسرائيل من جنوب في 25 أيار من
العام 2000.
إجراءات استلحاقية
ولا
يختلف اثنان على أن ملفّ العميل عامر الفاخوري تحوّل إلى قضية رأي عام في
لبنان، تجاوز الإجراءات القضائية الاستلحاقية، التي أتت متأخرة للتعويض عن
دخول هذا الرجل إلى لبنان بغطاء سياسي وأمني، بدليل سحب خلاصة الحكم
ومذكرات التوقيف الصادرة بحقه عن النشرة الجرمية، بالإضافة إلى شطب اسمه عن
البرقية العسكرية رقم 303، الخاصة بعملاء إسرائيل، والتي لا يمكن شطبها
الّا بعد اتباع إجراءات معقدة، تشترط خضوع الشخص الوارد اسمه فيها إلى
التحقيق أمام مخابرات الجيش، ورفع توصية بالشطب إلى مدير المخابرات ومن ثمّ
قائد الجيش.
وكان وزير الدفاع الياس بو
صعب، أوعز إلى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس،
باستئناف أي قرار يصدر عن قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، بإخلاء
سبيل العميل الفاخوري، وإبقائه موقوفاً، واستغرب مرجع قانوني في تصريح
لـ”المدن”، تدخل وزير الدفاع في صلب العمل القضائي، الذي يشكل ضغطاً على
القضاء لا يقع في مكانه القانوني. ورأى أن طلب وزير الدفاع “لا يعدو كونه
استثماراً في قضية الفاخوري للتغطية على دور فريقه السياسي في هذا الملف”.
وقال المرجع القانوني “مؤسف جداً هذا التدخل غير المبرر، لأنه إذا أصدرت
قاضية التحقيق مذكرة توقيف بحق هذا العميل، سيعني أن المذكرة صدرت بإيحاء
منه، وليس بقرار قضائي مستقلّ”.
تدخلات وزير الدفاع
وذكّر
المرجع القانوني، بأن “المادة 78 من قانون القضاء العسكري، تنص على ما
حرفيته: لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، أن يطلب نقض القرارات الصادرة
عن قضاة التحقيق في ثلاث حالات، الأولى عند منع المحاكمة عن المدعى عليه،
والثانية: القرارات المتعلقة بالصلاحية، والثالثة: جميع القرارات التي تصدر
خلافاً لمطالعة النيابة العامة”، مشيراً إلى أن “ثمة صلاحية محدودة لوزير
الدفاع، منصوص عنها في المادة 79 من قانون القضاء العسكري، وتقول: لوزير
الدفاع الوطني أن يطلب من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، تمييز
الأحكام أو القرارات الصادرة عن المحكمة العسكرية وقضاة التحقيق لدى
المحكمة العسكرية، وذلك وفقاً للمواد المبيّنة سابقاً”. وأكد أن “قانون
القضاء العسكري لا يعطي وزير الدفاع سلطة اتخاذ القرارات التي تخضع
للمادة 45″، مشدداً على أن “أحد أهم المعايير التي تحكم عمل القضاء هو عدم
إبداء رأي مسبق، والّا ما نفع إجراءات التحقيقات الاستنطاقية، إذا كان
البعض يجاهر بصلاحيات تعطيه حقّ التدخل، وإعطاء آراء مسبقة مبنية على
فرضيات يبديها عبر وسائل الاعلام”.
ودعا المرجع القانوني إلى
التركيز على “الفعالية الحقيقية لمكافحة عملاء العدو، بعيداً عن لعب أدوار
خارج الأطر القانونية، ومحاولة التفاعل ايجاباً مع الرأي العام ووسائل
التواصل الاجتماعي”. ولاحظ أنه “كان أولى بوزير الدفاع أن يحقق في كيفية
شطب اسم الفاخوري عن البرقية العسكرية، لا أن يبحث عن بطولات في غير
مكانها”.
مفارقات النيابة العسكرية
وكانت
النيابة العامة العسكرية سجّلت في الآونة الأخيرة مفارقة لافتة، عبر
التمييز الذي اعتمدته في قضيتين منفصلتين، عندما أمرت بتوقيف الناشط محمد
وهبة، لدى وصوله إلى مطار رفيق الحريري الدولي قادماً من أفريقيا حيث يعمل
هناك، وادعت عليه بـ “الافتراء الجنائي، وتحقير رئيس الجمهورية ميشال عون
والذمّ به، وإثارة النعرات الطائفية”، على خلفية تغريدة نشرها وهبة قبل
أكثر من خمسة أشهر، هاجم فيها وزير الخارجية جبران باسيل، وسمّاه بـ “صهر
العميل”. وأحالته على قاضي التحقيق العسكري فادي صوان، الذي تماهي مع رأي
النيابة العامة وأصدر قراراً اتهامياً أحيل وهبة موقوفاً على المحكمة
العسكرية لمحاكمته.
لكنّ ما إن وضعت المحكمة
العسكرية برئاسة العميد حسين عبد الله، يدها على القضية، حتى أعلنت عدم
اختصاصها للنظر فيها، وأحالت وهبة على النيابة العامة الاستئنافية في
بيروت، التي سارعت إلى اطلاق سراحه، لكنها ادعت عليه بجرم تحقير وذمّ رئيس
الجمهورية، واثارة النعرات الطائفية، وطلبت محاكمته أمام القاضي المنفرد
الجزائي في بيروت.
تمجيد اسرائيل
غير
أن النيابة العامة العسكرية، اتبعت أسلوباً مغايراً في الادعاء الذي وجهته
إلى شخص يدعى “س. نجيم”، نسبت إليه ارتكاب جنحة “إثارة النعرات الطائفية”،
متجاهلة أفعاله بما خصّ تدويناته التي تمجّد إسرائيل. وكشفت مصادر مطلعة
لـ “المدن” أن نجيم “أحيل على المحكمة بجنحة مخففة، رغم إشارات
الاعجاب (like) التي وضعها على صفحات إسرائيلية عائدة لرئيس الوزراء
الإسرائيلي الراحل آرييل شارون، الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي،
وزارة الخارجية الإسرائيلية، مؤسسة يونايتد أوف إسرائيل وصفحات غيرها تابعة
للدولة العبرية”.
ولم يتنه الأمر عند هذا
الحدّ، بل أقدم المدعى عليه، على وضع “بوستات” على صفحته على موقعي “تويتر”
وفايسبوك، يقول فيها: “رحم الله شارون الذي أوقف إبادة المسيحيين في العام
1982 (ابان قيادته الاجتياح الإسرائيلي للبنان)، وطرد الإرهاب الفلسطيني
من لبنان”، معتبراً أن “الإسرائيليين يشكلون الأمل، أما العرب فهم جرب”.
التحريض على إحراق المطار
وفي
أحد الفيديوهات التي سجّلها الموقوف “س. نجيم”، فقد حرّض الأخير إلى
“إحراق مطار رفيق الحريري الحرامي”. ويقول “هودي رمز الفساد والسرقة، بلد
بدّو حرق، ومطار رفيق الحريري الحرامي بدّو حرق”. ورغم كلّ هذه الأفعال
اكتفت النيابة العامة العسكرية بالادعاء عليه بجنحة “إثارة النعرات
الطائفية والمذهبية”، وتجاهلت الجرائم الجنائية الأهم، مثل الترويج لأفكار
دولة إسرائيل، وإبداء الاعجاب علناً على الصفحات الإسرائيلية، والتغاضي عن
كلّ ما يربط هذا الشخص بإسرائيل”. وعلّق مصدر قانوني على الأمر بالقول
“خلال الادعاء على الناشط محمد وهبة بتحقير رئيس الجمهورية، تخطت المحكمة
العسكرية صلاحياتها، أما في هذه الدعوى تخلّت عن صلاحيتها”.
وقدّم المصدر القانوني مقارنة بين تعاطي النيابة العسكرية مع هذا الملف بخفّة، وتجاهل الأفعال الجرمية الخطيرة، وبين ملفّ الممثل زياد عيتاني، حيث اتهمته بنشر الثقافة الإسرائيلية في محاولة لتضخيم جرمه”. وسأل المصدر “هل أصبحت النيابة العامة العسكرية تتعاطى مع الترويج لإسرائيل على أنه مجرّد إثارة نعرات طائفية؟، وهل هناك عميل بسمنة وعميل آخر بزيت؟”
المدن