التيار العوني متواطئ.. أم فَقَدَ السيطرة على محازبيه؟
سكوت “التيار الوطني الحر” عن إساءات مناصريه تجاه المناصلة سهى بشارة، واللبنانيين المؤيدين لمحاكمة العميل عامر الياس الفاخوري، يفتح باب التقديرات على احتمالين: إما أن التيار يرضى بالاساءات، ولا يتبناها، وإما انه فَقَدَ السيطرة على جمهوره، وهو ما لا يصادق عليه منطق. فالجمهور العوني، أو بعضه في أقل تقدير، أمعن في أذية ذاكرة لبنانية قامت على فكر مقاومة اسرائيل ومقارعتها، بل نال من الجمهورية اللبنانية التي تتبنى رسمياً العداء مع اسرائيل، وتصنيف كل من يتعاون معها على أنه عميل. ونال هذا الجمهور من العهد نفسه، عندما أمعن في توجيه الاتهامات لسهى بشارة، وإنكارها والنيل من دورها البطولي، تجسيداً لفكرة مقاومة اسرائيل، بكافة الوسائل المتاحة، التي تعد جزءاً من البيان الوزاري لحكومتين في عهد الرئيس ميشال عون.
تلك الفئة من الجمهور أهانت بشارة ومن خلفية طائفية مقيتة، عندما انتقدت الأسيرة المحررة وزير الخارجية جبران باسيل. في ذلك، لم يلتفت الشتّامون إلى أنهم نصبوا باسيل ولياً على الجمهورية، وذوبوا الكيان اللبناني في شخص باسيل، وقفزوا فوق الاعتبارات السياسية والأخلاقية والإنسانية، وفوق سرديات السيادة والعهد القوي، وتخطوا أدبيات الحكم القائمة على الوفاق الوطني والعيش المشترك، ونالوا فعلياً من العهد واختصروه في شخص باسيل، وألزموا اللبنانيين بشخص، تكون الجمهورية فيه أو تندثر.
والحال أن هذه المعضلة الكبيرة، مرت في قيادة “التيار الوطني الحر” مرور الكرام. لم يُسمع موقف رادع لتعميم خطاب الكراهية، والانزلاق أكثر الى مستوى النيل من ذاكرة وكرامة لبنانيين لعبوا دور العين التي تقاوم المخرز، وسطروا ذاكرة جماعية لتجربة مقاومة نجحت في كسر المحتل وإبعاده من جهة، واحتواء عملائه بطريقة لم تبدد فرحة الانتصار في الداخل من جهة أخرى. وعليه، يُطرح السؤال الملحّ عن سكوت “التيار”، مقروناً بالاحتمالين.
في الاحتمال الأول، المتعلق بالإساءات، يُسأل عما إذا كان التيار راضياً، وفي حالة الإيجاب، فإن ذلك يعني ارتكاب خطيئة كبيرة بحق العهد أولاً، وبحق المستقبل السياسي لوزير الخارجية، بالنظر الى أن “انكسار الجرة” مع البيئة الشيعية والأحزاب الوطنية التي خاضت تجربة قتال المحتل الاسرائيلي يكون أمراً واقعاً، لا يستطيع “حزب الله” ترميمه في أي حقبة زمنية لاحقة، كذلك حركة “أمل” والأحزاب اليسارية وتيار “المستقبل” الذي تشارك قاعدته، بمعظمها، الأطراف المذكورة هنا في العداء لإسرائيل ومقارعتها.
وعليه يكون السكوت بمثابة مقامرة بمستقبل “التيار”، الذي سيُلزمه هذا الموقف بالتقوقع مسيحياً، وهو، في حالات عادية، لا يمكن أن يتصوره عقل، إلا إذا كانت هناك أجنحة داخل التيار لها صوت يعلو فوق صوت باسيل، وتظن أن استقطاب بضعة آلاف من الأصوات المسيحية في الجنوب، يؤمّن انتصاراً على أحزاب مسيحية منافسة، فتكسب جولة وتخسر معركة المستقبل.
وفي هذا الاحتمال، تقليل أيضاً من قدرة باسيل على الحكم، وعلى النفوذ داخل التيار نفسه، يُفسّر على انه فقدان للسيطرة على الجمهور، وهو ما يناقض التقديرات عن سلطة باسيل داخل التيار، وخارجه، وهو ما لا تثبته الوقائع ولا الأنباء الخارجة منه.
والحال انه من غير إجراء يتخذه باسيل، وسائر قيادات “التيار”، لردع السفهاء أمثال جوزيف أبو فاضل وغيره من الشتّامين، يكون أحد الاحتمالين صحيحاً، وهو ما لا يقبله المنطق، ما يستدعي وضع حدّ لهذا الجنون، والإقرار بأن مقارعي جيش الاحتلال هم مقاومون، والمتعاملون معه عملاء يستحقون المحاكمة، عملاً بالاتفاقات السياسية والاطر القانونية اللبنانية.
وعلى الجميع أن يحتكم لما قاله باسيل في لقائه التلفزيوني الأخير، في أقل تقدير، لناحية التفريق بين العملاء والفئة التي لم ترتكب أي جرم ولا يجوز أن تُعاقب بمنع عودتها، والإقرار بأن العملاء لا يمكن عودتهم بسهولة. فذلك كلام منطقي. أما عدم الالتزام به، فيعني أن هناك فئة متمردة ومتطرفة في خياراتها، يجب أن يوقفها القانون – أو التيار – عند حدها.
نور الهاشم – المدن