متى تظهر صواريخ أس 400 الروسية في لبنان؟
تواصل الصحف والمواقع الروسية الدائرة في محيط الكرملين الحديث عن “الفرصة السانحة” أمام السلاح الروسي في الشرق الأوسط، بعد قصف منشآت النفط السعودية الأسبوع الماضي. وترى أن المجمع الصناعي الحربي الروسي بوسعه الحصول على “أرباح لا بأس بها” من الهجوم على المنشآت السعودية. واثنت على وزارة الدفاع لاختيارها “الوقت المناسب” للدعاية لصواريخ S-330 و S-400، بل واعتبر بعضها أن روسيا سوف تزيح الولايات المتحدة عن مواقعها في العالم العربي بواسطة الصواريخ الأخيرة.
اللعبة الكبرى في المنطقة
فقد اعتبرت
صحيفة الكرملين “vz” أن ما حدث في أنقرة الأسبوع الماضي لم يكن من الممكن
تصور حدوثه منذ سنوات، وذلك حين عرض الرئيس بوتين على القيادة السعودية
شراء الصواريخ الروسية S-400، بعد أن كان قد استشهد بالقرآن. وحين تدخل
الرئيس الإيراني، ناصحاً الرياض أي صواريخ هي الأفضل، قال له بوتين “دعهم
يختارون”.
وقالت الصحيفة في مقالة لها بعنوان ” روسيا تزيح
الولايات المتحدة في العالم العربي بمساعدة صواريخ S-400″ أن روسيا، ومنذ
مطلع العقد الراهن، لم تستعد فقط مواقع اللاعب النشط في الشرق الأوسط، بل
وأصبحت اللاعب الخارجي الأهم في اللعبة الكبرى في المنطقة. وفي حين تفترض
أن الولايات المتحدة تفقد في هذا الوقت مواقعها السابقة في المنطقة، ترى أن
النفوذ الروسي المتجدد يستند إلى عوامل عديدة: الحملة السورية الناجحة،
التقارب غير المسبوق مع تركيا، الشراكة المتنامية مع إيران، التعاون التقني
العسكري مع مصر والجزائر، التنسيق الوثيق مع المملكة العربية السعودية
بشأن أسعار النفط. إضافة إلى ذلك، ترى أن الجميع في المنطقة يتقربون منها،
بمن فيهم أولئك، الذين يتخبطون في أزمات مختلِفة، مثل اللبنانيين
والعراقيين واليمنيين والفلسطينيين.
رمز الاستقلالية
وقد
تنبهت الصحيفة، ولا بد، إلى الكلفة الباهظة للمهمة، التي ترى أن روسيا
تتصدى لها بصواريخها فقط، فقالت أن روسيا، صحيح أن ليس لديها من المال، ما
لدى الصينيين أو الأميركيين أو الأوروبيين، لكن لديها السمعة الطيبة
المرتبطة بالتركة السوفياتية، وبما تقوم به هي في السنوات الأخيرة
بالمنطقة. فهي تستند إلى معرفتها بالمنطقة، وإلى وفائها لكلمتها ولحلفائها
(الأسد مثالاً)، وإلى توجهها إلى تهدئة التناقضات الداخلية في المنطقة،
وليس إلى تأزيمها، وإلى السلاح الجيد، بالطبع، الذي يعرفه الكثيرون في
المنطقة منذ زمن بعيد. لكن صواريخ S-330 وS-400 أصبحت في السنوات الأخيرة
رمزاً للنجاحات الروسية في الشرق الأوسط، برأيها .
واعتبرت الصحيفة أنه، إضافة إلى المليارات التي تتلقاها روسيا مقابل هذه الصواريخ، يبقى المهم بالنسبة لها هو ما تعنيه عملية شراء هذه الصواريخ من وقوف الدولة المعنية بوجه الضغوط الأميركية، إذ تحولت العملية بنظر المجتمع الدولي إلى رمز لاستقلالية الدولة الشارية. وتتخذ من تركيا، التي تربطها علاقات تحالف مع الولايات المتحدة، دليلاً ساطعاً على صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار، وعلى دلالته السيادية. وتقول أن الكثير من الدول تريد الحصول على صواريخ S-400، لكن ليس جميعها تتمكن سياسياً من اتخاذ مثل هذا القرار، والآن جاء دور السعودية لتختبر قدرتها في ذلك.
وتذّكر الصحيفة بالزيارة “الأولى في التاريخ” للملك السعودي
سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، وباللقاءات المتكررة بين الرئيس بوتين وولي
العهد السعودي، وتقول أن بوتين قد وعد، خلال اللقاء الأخير بينهما في
أوساكا باليابان، بزيارة المملكة في خريف السنة الحالية.
الإختبار السعودي
ومنذ
أيام أكد الكرملين، أن الزيارة ستتم في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وسوف
يكون برنامجها حافلاً بالموضوعات، التي تهم الطرفين، لكن مسألة شراء صواريخ
S-400 سوف تكون ورقة الإختبار الحقيقي، لأن المفاوضات بشأنها بدأت خلال
زيارة العاهل السعودي إلى موسكو في العام 2017. لكن المشكلة، برأيها، تكمن
في الوعد، الذي كان قد قطعه السعوديون قبل ذلك للرئيس الأميركي ترامب بشراء
صواريخ THAAD، وهو ما يهدد بإثارة استياء الأميركيين الشديد، الذي على
السعوديين تبريره بشكل ما.
لكن الصحيفة تقول، بأن الملك سلمان لن يرضى بأن يكون محرجاً
أمام الرئيس بوتين، وأن يبدو غير مستقل بقراره، وغير ملتزم بوعده شراء
صواريخ S-400، ولذلك، ثمة احتمال كبير بأن تلتزم الرياض بكلمتها وتتكلل
زيارة بوتين باتفاقية بشأن تلك الصواريخ.
صفقة لبنان الصعبة
من
جهتها، تقول صحيفة “NG” الروسية، التي تدعي الاستقلالية، أن اللبنانيين،
كما السعوديين والعراقيين، يناقشون مسألة شراء تقنيات عسكرية روسية. وفي
مقالة لها بعنوان ” صواريخ S-400 قد تظهر بجوار إسرائيل”، تقول الصحيفة، أن
التوتر حول إيران يخلق خلفية جيدة للمفاوضات بشأن مبيع وسائل الدفاع الجوي
الروسية. وقد ظهرت في لبنان، حسب الصحيفة، تكهنات حول مثل هذه الصفقة،
التي يعتبر الخبراء بأنها ممكنة في ظل “ظروف معينة”.
لكن الصحيفة تشكك بشكل صريح بإمكانية تحقق مثل هذه الصفقة مع لبنان، وتقول أن الصحافة اللبنانية تنسب إلى موسكو رغبتها في بيع وسائل دفاع جوي إلى بيروت من أجل لجم النشاطات الإسرائيلية. وتقول بأن من المستبعد أن تنظر القيادة الروسية بجدية إلى مثل هذه الصفقة، التي تنطوي على إمكانية أن تقع التقنيات الروسية في متناول يد حزب الله، الذي له ناسه في القوات المسلحة اللبنانية. وليس من المستبعد أن تكون قد برزت لدى الروس مخاوف مماثلة، لدى مناقشة أفق التعاون التقني العسكري وشراء صواريخ S-400 خلال زيارة مساعد رئيس الوزراء العراقي فالح الفياض إلى موسكو منذ مدة قريبة.
وتنقل الصحيفة عن خبير روسي متخصص بالعلاقات الروسية مع بلدان
الشرق الأوسط تأكيده، بأن التكهنات بشأن بيع لبنان صواريخ S-400 الروسية
قد ظهرت بمناسبة محادثات بوتين مع نتنياهو في سوتشي، حيث عبر بوتين، كما
أُشيع، عن خيبة أمله من الضربات الإسرائيلية على لبنان، واعتبرها خطوة
عدوانية، وليست عملاً مشروعاً في الدفاع عن النفس، كما كانت تريد إسرائيل.
وثمة احتمال ضئيل، برأيه، أن تقدم موسكو في المدى القصير على بيع لبنان
وسائل دفاع جوي، ويُلفت إلى أن الشائعات عن صفقة محتملة بين موسكو وبيروت
تظهر، بشكل أساسي، في مطبوعات موالية لحزب الله.
ويقول الخبير هذا،
أن لبنان سبق أن طلب من موسكو في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2018 المساعدة
في مجال الدفاعات الجوية، إلا أن الأمر لم يسفر عن شيئ. فروسيا تريد
الحفاظ على العلاقات مع جميع اللاعبين في الشرق الأوسط، وذلك بغية رفع
مستوى نفوذها، وميزان القوى بين إيران وإسرائيل يعتبر بنداً مركزياً في هذه
المقاربة الروسية الإستراتيجية. إضافة إلى ذلك، فإن عقد مثل هذه الصفقة مع
لبنان يلحق ضرراً جدياً بالعلاقات الروسية الإسرائيلية، برأي الرجل.
ولا يمكن أن يتبدل الوضع بالنسبة لبيع بيروت التقنيات الروسية إلا في حالتين، على رأي الخبير هذا. الحالة الأولى تتمثل إما في فشل ترامب في انتخابات العام 2020، وإما في فشل نتنياهو في الإنتخابات الإسرائيلية الحالية وحلول بني غانتس مكانه.
أما الحالة الثانية فتتمثل في شن حرب إسرائيلية شاملة على حزب الله، وحينها قد تشعر موسكو بأن مصالحها الحيوية في سوريا عرضة للخطر، وتبدي حينئذ انحيازها لإيران وتنشر صواريخ S-400 في لبنان.
المدن