أزمة لبنان: بدء المفاوضات بين حزب الله والولايات المتحدة
يمكن استخلاص نقطتين أساسيتين (أو شرطين حاسمين) من اجتماع مجموعة الدعم الدولية حول لبنان. النأي بالنفس، والإصلاحات الجدية والجذرية. عدا ذلك، لم تدخل الدول المعنية في تفاصيل الوضع اللبناني وحيثايته. ولم تتدخل في تفاصيل معضلة تشكيل الحكومة.
إلى ذلك، تختلف وجهات النظر الدولية حيال التطورات اللبنانية.
ثمة وجهة نظر تشدد على وجوب المساعدة لمنع الانهيار. ووجهة نظر أخرى لا
يعنيها هذا الأمر، وتفضل الاستمرار بسياستها. وعملياً، أصبحت “الأزمة”
اللبنانية مرتبطة بكل تفاصيلها بالمعادلات الدولية والتطورات في المنطقة.
الرؤية السوداوية
حسب
ما تكشف مصادر متابعة، فإن الرؤية الدولية حيال لبنان سوداوية، ولا تشير
إلى وجود أي أفق جدي للخروج من الأزمة، قبل الوصول إلى تفاهمات استراتيجية،
وسط تشدد أميركي واضح بالوصول إلى تفاهمات مع إيران وحلفائها في المنطقة،
على قاعدة ضبط الطموحات الإيرانية، وتوفير أمن إسرائيل. ووفق هذا المنظور،
يقرأ حزب الله كل ما يرتبط بما يجري في لبنان. ولذلك، يصر على حكومة
تكنوسياسية تحفظ وجوده السياسي، وما يحمله من رصيد، خصوصاً بعد كل ما حدث
منذ شهرين وحتى الآن.
على وقع الأزمة المستمرة في لبنان، وما يدور في المحيط من
“مفاوضات” إيرانية أميركية، وصولاً إلى عملية تبادل السجناء بين الإيرانيين
والأميركيين، ثمة قنوات خلفية فُتحت بين حزب الله والولايات المتحدة
الأميركية. إذ يعمل وسطاء على إجراء مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين،
للوصول إلى بعض النقاط المشتركة. وهذا يدّل على أن الأميركيين يعلمون أن لا
إمكانية في لبنان للوصول إلى أي اتفاق من دون موافقة الحزب (وشراكته)،
خصوصاً مع تجربة السنوات الماضية حول ملف ترسيم الحدود، ومحاولة الرئيس سعد
الحريري انتزاعه من الرئيس نبيه بري التي لم تنجح. فهذا الملف يرتبط حتماً
بكل الملفات الإقليمية العالقة بين واشنطن وطهران.
بين إيران وإسرائيل
يسعى
هؤلاء الوسطاء إلى تعميق عملية التفاوض لتشمل ملف ترسيم الحدود، التنقيب
عن النفط، وإخراج الصواريخ الدقيقة من المناطق الجنوبية. على قاعدة “إيران
قوية ومنضبطة، مقابل إسرائيل آمنة ومستقرة”. إذا ما نجح هؤلاء الوسطاء،
بالوصول إلى بعض النقاط المشتركة أو إحراز تقدّم إيجابي فإن المسار المقبل
قد يذهب نحو التهدئة وإيجاد التسويات في لبنان. أما بحال استمرت العرقلة
والتصعيد، فبالتأكيد سينعكس ذلك على االأحوال اللبنانية، سواء بتشكيل حكومة
أو باستمرار الأزمة الاقتصادية والمالية.
يعمل حزب الله على هذا المستوى، مفضلاً عدم الدخول في
التفاصيل المحلية، والغرق فيها، لأنه يعلم أن “مربط الفرس” في الخارج. وعلى
الرغم من ذلك، ينتظر الأفرقاء اللبنانيون موقف أمين عام حزب الله من آخر
التطورات المحلية. إذ سيشدد على وجوب تشكيل سريع للحكومة لان الوضع لم يعد
يحتمل. وسيعلن أن حزب الله يعمل على تسهيل تشكيل الحكومة وقدم الكثير من
التنازلات مقابل الشروط التي كان يفرضها الحريري. وبالتالي لم يعد بإمكانه
التأخير، إلا إذا كان لديه حسابات مختلفة ترتبط أيضاً بضغوط ومشاريع
خارجية.
تقاذف كرة النار
عملياً، بدأ حزب الله وحلفاؤه
هجمة مضادة على الحريري. فهو الذي كان يرمي الكرة في ملعبهم، إلا أنه لم
ينجح في إكمال لعبته حتى النهاية. حشر نفسه كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة.
فصار هو الذي يتحمل مسؤولية أي تأخير في تشكيلها أو أي انهيار اقتصادي قد
يحصل. بدوره، سارع جبران باسيل إلى رمي كرة النار في حضن الحريري، الذي كان
يعمل على تلافيها. عقد باسيل لقاءاته مع حزب الله وحركة أمل، ولجأ إلى
اعتماد أسلوب جديد في الهجوم.
فهو سابقاً، وعندما كان يبدأ المفاوضات يفرض شروطاً عالية لنيل أقصى حدّ يمكن أن يحققه، فمثلاً يطالب بخمسة عشر وزيراً، ليحصل على 11. الآن يتبع أسلوباً جديداً، بالخروج من المفاوضات والمقاطعة، ليدفع بالآخرين إلى رفض ذلك ومطالبته بالبقاء. بينما يحارب الحريري بسلاحه، إذ فرض الأخير معادلة هو أو لا أحد على الرغم من أنه كان يقول:” ليس أنا بل أحد غيري”. لكنه يعارض كل الالاقتراحات والمرشحين، ليعود ويتكلف ويحسّن شروطه. صحيح أن هذا الأسلوب خدم الحريري مرحلياً. لكن باسيل أصر على أن يقلبه عليه، فاستخدم سلاحه، بالقول إنه لا يريد التمثل بالحكومة ويفضل مقاطعتها. فتصبح المعادلة على الشكل التالي، لا حكومة من دون التيار الوطني الحرّ، وله أكبر كتلة في المجلس النيابي، خاصة عندما اعتبر باسيل أن معادلة ما قبل الـ 2005 وإلغاء الآخر قد ولت إلى غير رجعة، أو أن باسيل يكون قد رمى الكرة كلها بين يدي الحريري، ليدخل في مفاوضات مضنية مع حزب الله ومع رئيس الجمهورية حول آلية التشكيل وتوزيع الحصص. فباسيل أكد بأنه لن يكون هناك تنازل عن الحصة المسيحية. وبذلك يكون باسيل قد قلب الطاولة على الحريري وأحرجه ووضع في موقع المعطل، والذي يتمسك بموقعه وليس بحكومة التكنوقراط، وكأنه يقول له: “إذا كنت تريد جدياً حكومة تكنوقراط، اخرج وسمّ شخصية تكنوقراطية مكانك.” وإذا لم يفعل الحريري، فسيتهم بأنه المعرقل وحكومته ستكون محكومة بالفشل. وضع باسيل الحريري في مواجهة مع الشارع.
قسوة عون
بالتأكيد، لن يكون عون متساهلاً مع الحريري، لا بل سيتشدد معه أكثر، وسيتم تحميله مسؤولية أي تعطيل أو أي انهيار. كما أن المشاورات لم تتوقف لحسم الموقف النهائي مما سيجري في استشارات يوم الإثنين، خصوصاً أن عون كان مصراً على عدم تكليف الحريري بتشكيل الحكومة. وهنا يحدث تفاوت في وجهات النظر بين عون وحزب الله حيال تكليف الحريري، والذي في حال حصل، ستكون أمامه عوائق كثيرة، أبرزها أن عون سيفرض شروطاً قاسية على الحريري، وسيعمل على تكبيله بكل ما أوتي من قوة بدعم حلفائه، أولاً لجهة الحصة التي سينالها، ثانياً لجهة العناوين التي ستتناولها الحكومة، وثالثاً أنه حتى لو تم تكليف الحريري، فإن عون لن يوقع عليها ما لم تكن وفق ما يريده.
المدن