الحكومة الفاشلة: تقييد الحريري بشروط نصرالله وشراسة عون
أصبح الجميع في ورطة. وكأن لا أحد يريد تشكيل حكومة. بل وكأن
الأفرقاء السياسيين لا يريدون تحمّل المسؤولية في هذا الظرف الدقيق. جلّ ما
يفعلونه هو أن لا أحد منهم يريد الخروج من جنّة السلطة وتسليمها. لكنهم لا
يريدون أيضاً تشكيلها من دون أي ضمانات دولية بتقديم المساعدات.
أيضاً،
أصبح الجميع على يقين بأن ما يجري في لبنان هو أزمة من شقين، الشق الأول
محّلي، وهو يتعلق بصراعات القوى السياسية على حصصها ومواقعها، والشق الآخر
هو في رهان كل قوة سياسية على متغيرات خارجية، قد تخدم وجهة نظرها لتحصين
دورها وموقعها. عدا عن ذلك، لا أحد مستعداً للتعامل مع الأزمة بالقدر
اللازم من المسؤولية، خصوصاً أن لبنان أصبح في عمق الأزمة الاقتصادية
والاجتماعية والمالية.
قواعد نصرالله
تستمر حرب المناورات
وتستمر عمليات “قلب الطاولات” بين الحلفاء والخصوم وأركان التسوية
الشركاء. فبعد أن كان الحريري يزهد بالسلطة ويقدّم باسيل بأنه المعرقل
والمتمسك بموقعه الوزاري، قلب باسيل الطاولة على الحريري، فأعلن عدم
استعداده للمشاركة في حكومة تكنوسياسية، واختياره المعارضة، إذا ما أصر
الحريري على شروطه وآلية تعاطيه المتبعة. بالتأكيد، كان باسيل يعرف نتيجة
موقفه هذا، الذي سيقابل بمعارضة من قبل حزب الله وحركة أمل. وهذا بالضبط ما
شدد عليه أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، بعد موقف الرئيس نبيه
برّي، برفض خروج التيار الوطني الحرّ من الحكومة.
وقد وضع نصر الله القواعد العامة، وحدد شكل الحكومة، وأفهم
حلفاءه السنّة الذين كانوا يطمحون إلى ترؤس الحكومة، أن الحزب لا يريد
تشكيل حكومة من لون واحد، وحريص على اشتمالها مختلف القوى السياسية
الأساسية، غامزاً من قناة التيار الوطني الحرّ. وفي الوقت الذي يلقي
الحريري المسؤولية عن كتفيه، ويقوم باسيل بالفعل نفسه، ظهر نصر الله بموقع
المتحمل للمسؤولية كاملة، بدعوته إلى تشكيل حكومة تتحمل المسؤولية، ولا
يمكن لأي طرف التهرب من مواجهة هذه المسؤولية. رئيس الجمهورية أيضاً لم يعد
يريد الظهور بموقع المعرقل أو المؤخر للاستشارات. ولذلك يتمسك بإجرائها
يوم الإثنين، ليلقي بالمسؤولية عن كتفيه، ويرمي بالكرة لدى الرئيس المكلف.
تشدد عون والحزب أيضاً
بالتأكيد
لم يكن عون في وارد تسليم الحريري أي ورقة، إنما حتى لو أجريت الاستشارات
وتمت تسمية الحريري بعدد قليل من الأصوات، في حال لم يمنحه التيار ولا حزب
الله وبعض حلفائهما أصواتهم، فسيصبح الحريري رئيساً مكلفاً. لكن مفتاح
التأليف سيمسك به عون وحزب الله. وهذا ما عبر عنه نصر الله بقوله أن وقت
التأليف سيكون طويلاً على ما يبدو، لأن النقاش في شكل الحكومة وتوزيعاتها
سيبدأ بعد التكليف. وبالتأكيد سيحتاج الأمر إلى وقت مديد، خصوصاً أن عون لن
يسلم للحريري بما يريده، ولا حزب الله. وسيكون عون متشدداً إلى حدّ بعيد،
ولن يوقع على حكومة برئاسة الحريري تستثني التيار الوطني الحرّ أو باسيل.
وهذا يعني أن الحريري سيكون مكبلاً بشكل كبير. لا سيما أن نصر الله توجه
إليه بالقول إنه يجب عليه تقديم تنازلات من الآن (يوم الجمعة) حتى يوم
الإثنين. أما بحال البقاء على الشروط ذاتها، وعدم الموافقة على تكليف شخصية
أخرى، فهذا يعني أن المواقف لن تحسم قبل الإثنين. والكتل النيابية ستذهب
لتسمّي مرشحيها، إما بتنسيق أو من دونه. وستبقى الصورة ضبابية، والتأليف
سيكون دونه مصاعب كثيرة.
تمسك نصر الله بمبدأ الحكومة الجامعة يؤكد أن حزب الله ليس له أي مصلحة في تشكيل حكومة من لون واحد، بل يحتاج إلى دفاعات ومتاريس سياسية من كل القوى لمواجهة الأزمة والمأزق. وذلك، لتتوزع على الجميع تداعيات أي كارثة قد تحصل، خصوصاً أنه سيتم تحميل مسؤولية ما يجري للحريري، في ظل الحملة التي بدأها التيار الوطني الحرّ على الحريري وتحميله مسؤولية الأخطاء وفشل سنوات العهد الأولى في تحقيق نتائج فاعلة فيما يتعلق بالإصلاح ومحاربة الفساد.
في معاداة أميركا
بمعنى من المعاني، أوحى نصرالله “لا نريد أن نعادي الأميركيين”. وهذا تجلّى تراجعاً في موقفه بطريقة ذكية، عندما نفى كلام الإيرانيين عن لبنان، وما قاله سابقاً بأنه إذا تعرضت إيران لأي اعتداء فإن حلفاءها سيردون على الأميركيين والإسرائيليين وسيشعلون المنطقة كلها. تراجع عن ذلك عندما قال إن إيران هي التي سترد بنفسها، أما حلفاؤها فهم يقررون كيف يتصرفون وماذا يفعلون. ووضع القضية بسياق أن الأميركيين هم الذين يعتدون على الحزب، ويسعون لإخراجه من الحكومة ومؤسسات الدولة، لكن ذلك حسب قوله “مستحيل”، بسبب قوة الحزب ووجوده وتأثيره وحضوره. ولم يمرر نصر الله عن عبث فكرة أن الأميركيين والإسرائيليين أرادوا الرهان على التطورات في لبنان لتحصيل تنازلات في موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية والنفط، بل أشار إليها للتأكيد بأن ما يجري في لبنان له ارتباطاته الإقليمية والدولية. هذا الارتباطات والتطورات هي التي تراهن القوى السياسية المختلفة عليها، لتبيان المواقف وإخراج الصيغة الحكومية. أما اللبنانيون ومطالبهم وهمومهم فهي خارج الحسابات بالنسبة إليهم. ولا شيء يعدون به الشعب اللبناني سوى الصبر والانتظار.
المدن