مئوية لبنان.. دولة لحزب الله خارج العالم العربي والغرب
يفتتح حزب الله العام 2020 بتثبيت معادلات لبنانية لطالما سعى
إليها. في مئوية لبنان الكبير، عمل حزب الله على توسيع لبنان وحدوده،
جغرافياً وسياسياً، أكبر مما كان عليه منذ في العام 1920. وسّع الحزب حدود
لبنان الجغرافية بتوسيع انتشاره وتمدده إلى سوريا ومنها إلى حدود العراق.
ويقرن ذلك بتوفير خط إمداده، الغذائي والمالي والعسكري، من إيران برّاً إلى
لبنان، رابطاً سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية على مقلبيها السوري
واللبناني، لتصبح مناطق خاضعة لسيطرته.
الانزياح نحو إيران
وفي
المقابل، يخرج لبنان في العام 2020 من الرحاب العربية إلى الامتداد
الإيراني الصرف. النفوذ الغربي الذي كان أساسياً في توفير مقومات نشوئه
ورعايته، يتراجع لصالح نفوذ الداخل الشرقي، سواء بنزعة رئيس الجمهورية
ميشال عون وجبران باسيل “المشرقية”، أو عبر اقتراح السيد حسن نصر الله
بالتوجه شرقاً (نحو الصين) رفضاً للضغوط الغربية.
هكذا، يخسر لبنان جزءاً من هويته لصالح هويات جديدة متقاتلة ومتصارعة، لا على الصعيد الثقافي فقط، بل الاقتصادي أيضاً، وما يرتبط بها من تغييرات جذرية في بنية النظام المالي والاقتصادي اللبناني الذي انهار نهائياً في العام 2019.
وكما يخرج لبنان بعيداً عن الغرب (المثال السياسي والحقوقي
والثقافي) يخرج من العباءة العربية أيضاً، وينزعها عن نفسه لصالح الانتماء
إلى المحور المناهض.. فعلى أرض الواقع السياسي اليومي، وانطلاقاً من هذه
المتغيرات، كرّس حزب الله ما سعى إلى تحقيقه منذ العام 2005، في تثبيت
وصايته على لبنان، والتي بدأت عملياً بعد حرب تموز، وبعد اجتياح 7 أيار
2008، وصولاً إلى التسوية الرئاسية في 2016، وصولاً إلى ما يجري حالياً على
صعيد تشكيل الحكومة.
فوائد “الطائف” الميت
هذه الحكومة
الجديدة التي يسعى الحزب إلى تشكيلها بأسرع وقت ممكن، مقدماً الكثير من
التسهيلات لولادتها، وعاملاً على تدوير الزوايا لتأليفها بصيغة المستقلّين،
ستكون عملياً حكومته، خصوصاً أن “خصومه” المفترضين سيكونون خارجها.
وبالطبع سيحرص على أن يقدّمها كحكومة اختصاصيين مستقلين، لعدم استفزاز
الأطراف الأخرى ولإضعاف أي حركة سياسية اعتراضية على هذا المسار. وهو يتمسك
بولادة الحكومة قبل نهاية الأسبوع الأول من العام الجديد.
إذا تم ذلك، يكون قد وضع كل اللبنانيين أمام خيار من اثنين. إذا ما نجحت هذه الحكومة واستمرت، يكون قد كرّس وصايته التي تسمح لجميع القوى بالاستمرار بعملها سواء كانت راغبة بالمشاركة فيها أم لا، تحت السقف الذي رسمه. أما بحال فشلت الحكومة واستعصى الخصوم على التطويع وتقديم التنازلات والركون إلى الأمر الواقع، فيعني أنهم سيصبحون حكماً أمام معضلة أكبر وهي أزمة نظام. ما يعني الاضطرار للبحث عن تعديلات جذرية في بنية النظام السياسي. وهذه أيضاً يلتقي عليها الحزب مع رئيس الجمهورية ميشال عون. فأي تعديل أو تغيير جوهري لبنية النظام، سيكون خاضعاً لموازين القوى التي تميل لصالح الحزب، فيكون انتصاره السياسي حينها مكرساً أكثر دستورياً ومؤسساتياً.
طبعاً، لا يريد استفزاز اللبنانيين واستنفارهم عليه، طالما
أنه يحقق ما يريده، بالسياسة. يعلم أن اتفاق الطائف قد انتهى. قوة التأثير
“السنّة” في المعادلة انعدمت. ووجود السنّة في الحكم خاضع له ولموافقته.
وبالتالي، لا يضيره استمرار الطائف وفق هذه الحالة حالياً، متجنباً إخافة
اللبنانيين بعنوان طرحه سابقاً، “المؤتمر التأسيسي”، الذي يصوره خصوم الحزب
بأنه سيكون عبارة عن تكريس منطق المثالثة بدلاً من المناصفة. وعلى هذه
الحال، يجبر من يريد الحفاظ على الطائف، ولو صورياً أو نظرياً، إلى تقديم
فروض الطاعة والتنازل للمشاركة في جنّة الحكم التي يديرها الحزب بنفسه
ويحافظ عليها. ولذا، فقد عمل بكل جهد لإجهاض “ثورة تشرين” وتفكيكها
وإضعافها، مقابل إعادة اللعبة إلى ما بين الأحزاب والطوائف.
بيت الطاعة
خطوة
تشكيل حكومة حسان دياب ستدفع خصوم الحزب، من وجهة نظره، إلى العودة ولو
بعد حين إلى بيت الطاعة، تماماً كما عمل عبر انقلابه على الحريري في العام
2011، وشكل حكومة نجيب ميقاتي. فجاء الجميع إليه فيما بعد صاغرين في تسوية
2016. حكومة حسان دياب إذا ما عاشت لأشهر، ستكون مهمتها حصراً تكريس ما هو
أبعد مما تحقق خلال حكومة ميقاتي. لذلك، يعتقد الحزب أن الحريري سيعود فيما
بعد، ووفق شروط الحزب لا كما كان يطمح الحريري ويشترط بعد استقالته.
بعد هذه المتغيرات، لن يعيد حزب الله العمل بمعادلة كانت
مكرسة في الحقبة السابقة. أي أن تكون السياسة والعسكر والأمن بيد جهة،
والاقتصاد بيد جهة أخرى. فهذا التوزيع للأدوار الذي كان مكرساً أيام
الوصاية السورية مع رفيق الحريري، هو الذي تغير. السياسة الخارجية
والداخلية والاستراتيجية العسكرية الداخلية والخارجية، مناطة بالحزب،
تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الاقتصاد والقطاع المصرفي، بعد الأزمة
التي عصفت به وأطاحت بثقة اللبنانيين والمستثمرين.
اقتصاد الضاحية
الأزمة
الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون تعود على الحزب بكثير من الفائدة،
سواء بالنسبة إلى الدولار المتوفر لديه، أو لجهة شرائه بسعر أعلى من كل
المناطق الأخرى، ما دفع اللبنانيين إلى تصريف دولاراتهم في الضاحية
الجنوبية، ليكسبوا أكثر، فيما كان الحزب هو الذي يستحوذ على المزيد من
الدولارات. أما بالنسبة إلى الأزمة المعيشية وغلاء أسعار المواد الغذائية
فقد حقق منها الحزب دورة اقتصادية موازية، بافتتاح العديد من المتاجر التي
تبيع بأسعار رخيصة جداً مقارنة مع سعر السوق، بفضل استيراده البضائع
المتوفرة لديه من سوريا ومن إيران أو العراق، من دون رسوم جمركية، تدخل إلى
لبنان عبر المعبر الاستراتيجي من طهران إلى بيروت مروراً بالأراضي السورية
والعراقية، فتدفع اللبنانيين من كل الطوائف الى شراء احتياجاتهم من هذه
المحال التجارية، ليتكرس الاقتصاد الموازي لدى الحزب، كما تتكرس مركزية
القرارات الأساسية لديه.
وفي هذا الوقت، يتلهى خصومه بهوامش الأمور، والخلافات على الحصص والمواقع، انسجاماً مع مبدأ “القلّة تولّد النقار”.
المدن