المأزق الكبير: الثأر لقاسم سليماني أم حكومة مقبولة دولياً؟
شدد حزب الله أكثر من مرّة، بعد اغتيال قاسم سليماني، على
ضرورة تشكيل الحكومة. ولم يطالب بأن تكون حكومة سياسية، إنما بقي متمسكاً
بمبدأ حكومة التكنوقراط، ليس لإرضاء المتظاهرين اللبنانيين، إنما لأن الحزب
يعرف جيداً أن “الرجال أدوار”. وعندما يتم استبعاد مسؤول معين، معنى ذلك
تغيير الأداء الذي كان يقوم به، أو تغيير الوجهة بكاملها. يعرف الحزب أنه
مقبل على ضغوط كبيرة سياسياً معنوياً ومالياً، لجرّه مع إيران إلى طاولة
المفاوضات. اغتيال سليماني يأتي في هذا السياق، الذي استكمل في التصنيفات
الاميركية والبريطانية للحزب بشقيه السياسي والعسكري على لائحة الإرهاب.
الحكومة والعقوبات الجديدة
سابقاً
كانت الولايات المتحدة الأميركية تصنف حزب الله إرهابياً، ولكنها تصدر
العقوبات على شخصيات محددة، بالأمس صنفت واشنطن الحزب تحت قانون تجميد أصول
الجماعات الإرهابية، وهذا يعني رمزياً ومعنوياً توسيع مروحة العقوبات
لتشمل الحزب برمّته، ويصل هذاالإجراء إلى حدّ مصادرة أموال وممتلكات. طبعاً
من الناحية الواقعية سيكون لهذا القانون تأثيره المباشر سياسياً، ربطاً
بالموقف البريطاني الذي صنّف الحزب أيضاً بشقيه السياسي والعسكري على لائحة
الإرهاب، بعد ضغوط أميركية مورست على لندن، وتمارس على ألمانيا أيضاً التي
أصبحت قريبة من هذا القرار، بخلاف فرنسا التي لا تزال تمانع ذلك، وتحرص
على علاقة سياسية مع الحزب ومن خلفه إيران.
هذه الإجراءات من شأنها تأكيد استمرار المواجهة الأميركية مع
الحزب وإيران بعد مقتل سليماني. وتتخذ هذه المواجهة الطابع السياسي
والمالي، وسط معلومات تفيد أن الأميركيين قد يصدرون لوائح جديدة من
العقوبات على الحزب وبعض حلفائه، في سبيل شدّ الخناق. وهذا ما سيدفع الحزب
إلى تشدد أكثر مالياً في لبنان. هنا بالذات يكمن مبدأ “الرجال أدوار” الذي
يقرأه الحزب، وهو الذي يحرص على أن يتمثل في الحكومة، لكن بوزراء اختصاصيين
وليس حزبيين، لأن الإصرار على التمثل بالوزراء السياسيين سيكون له تبعاته
على هذه الحكومة بعدالقرارين الأميركي والبريطاني.
ما بعد الاغتيال
باغتيال
سليماني، أرادت واشنطن ومن معها إنهاء دور الرجل في منطقة الشرق الأوسط،
طمعاً بتدشين مرحلة المفاوضات السياسية. وللوصول إلى تلك المرحلة ستقع
صدامات كثيرة وعنيفة، مشابهة لاغتيال قائد فيلق القدس، والذي – على ما
يبدو- بعد اغتياله، سيضطّلع أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، بدور
أبرز وأفعل على صعيد المنطقة ومع حلفاء إيران. خصوصاً، أن نصر الله عمل قبل
سنوات على أكثر من مبادرة لحلّ الخلافات بين الفصائل العراقية التابعة
لإيران، على غرار الاجتماعات التي عقدها في الضاحية الجنوبية لبيروت، بين
مقتدى الصدر ونوري المالكي وغيرهما، في محاولة لتقريب وجهات النظر بينها.
وأيضاً، تولى نصر الله بنفسه توجيه النصائح لفصائل الحشد الشعبي في العراق
بعد اغتيال سليماني. وسيكون له دور مستقبلاً في جمع حلفاء طهران المشتتين
هناك. هذا الدور بلا شك سيكون له تأثيرات وتداعيات سياسية على الساحة
اللبنانية.
ما يريده الأميركيون، وفق قاعدة “الرجال أدوار”، هو الانتقال
إلى مرحلة جديدة. وعلى ما يبدو أن موسكو (التي لم تدن اغتيال سليماني)
سارعت إلى تحضير نفسها لهكذا مرحلة، من خلال إقالة حكومة ميدفيدف وتعيين
بديل منه. هذا التغيير الحكومي من شأنه أن يستبعد وزير الخارجية سيرغي
لافروف، صاحب المواقف المتشددة والمعروفة لصالح إيران. طبعاً، الإستراتيجية
الروسية لن تتغير، لكنها لن تكون بعيدة عن التوجهات الأميركية. وهي تتطلع
إلى مرحلة التفاوض السياسي، الذي سينعكس على الوضع في منطقة الشرق الأوسط،
وتحديداً في إيران.
تريث حزب الله
محلياً، هذه التحولات
التي يعرفها الرئيس نبيه بري ويقرأ بين سطورها، هي التي دفعته إلى حماية
دوره وموقعه، عبر مواجهة الوزير جبران باسيل وتعطيل الحكومة التي يريد
باسيل تفصيلها على مقاسه. لم يكن أي موقف ليصدر عن سليمان فرنجية، وطلال
ارسلان، والحزب السوري القومي الإجتماعي، من دون غض نظر من برّي أو من حزب
الله. خصوصاً، أن اللعبة التي تعرقل تشكيل الحكومة هي لعبة الثلث المعطل
لصالح باسيل. فطالب فرنجية بمقعدين، وارسلان بتعزيز حصته، وأسعد حردان
بموقع نائب رئيس الحكومة. وهذا ما أخر ولادة الحكومة اللبنانية، التي حتماً
لا بد لها أن تنظر بواقعية لكيفية تعاطيها مع المجتمع الدولي بعد القرارات
الأميركية والبريطانية.
حزب الله قادر على حلّ معضلة الحكومة سريعاً، عندما يريد التدخل مع حلفائه. لكن الأمر يحتاج إلى تريث، بانتظار بقعة ضوء تأتي من مكان ما، وهي ترتبط بتحركات العديد من السفراء والديبلوماسيين على الساحة اللبنانية.
المدن