في ذكرى الحرب الأهليّة: وطني سيبقى الدّهر صومعتي
العميد الدكتور محمد توفيق أبو علي
وهناك في أعماق ذاكرتي
تَجْثُو لَدى النّيرانِ قافلتي
يختالُ في أحشائها لَهَبٌ
ودموعُها: “لبنانُ لا تَمُتِ”
سَمْعًا أتونَ النّار رَجْعَ أسًى
أفضى به نَزْفٌ بأوردتي
وارْحَمْ أنينَ الجُرْحِ مُنْبَعِثًا
مِنْ دمْعِ طفلٍ صارخٍ:”أبَتِ”
مِنْ نَوْحِ ثَكْلى في الشّتاء غَدَتْ
مَدَدَ الشّتاءِ وأفْقَ زوبعةِ
مِنْ صورةِ الجُدْرانِ قدْ سَئِمَتْ
صُوَرًا، ومِنْ زفراتِ أضرحةِ
مِنْ لَحْنيَ المجروحِ في وَتَري
مِنْ بسمةٍ يَبِسَتْ على شَفَتي
مِنْ دَمْعِ أمٍّ قَدْ رَوَى جَدَثًا
فيهِ الحَشا في قاعِ أتْرِبَةِ
سَلَبُوا وَمِيضَ النُّورِ يا وطني
فإلامَ يبقى اللّيلُ مِسْرَجَتي؟
وإلامَ يَلْهَثُ في المَدَى شَجَرٌ
خَلْفَ الرّبيعِ وخلْفَ عَنْدَلتي؟
وإلامَ تكتُمُ في الضُّلوعِ شَذًا
وتَنُوحُ في الأسْحارِ سَوْسَنَتي؟
وإلامَ يَغْتالُ الصُّداحَ صَدًى
وتَغيبُ في الأصداءِ حَنْجَرَتي؟
ثَمِلَتْ جِراحي في اللّظى ثَمِلَتْ
فتأوّدًا خَمّارَ دالِيَتي
رفْقًا بحانٍ أُقْعِدَتْ، ثَمِلٌ
قُرْبانُها، خُبْزٌ لِأَرْصِفَةِ
أقْوَتْ سُلافُ الدَّنِّ وانْسَفحَتْ
فإلامَ تَصْلاها بِخابِيَتي؟
يا خَمْرَةَ التّهْيامِ في وطني
لا تَسْكَري، بلْ خلّصي دَعَتي
عِفْريتُ سَلْمانَ الحكيمِ طَغى
والجِنُّ رُبّانٌ بباخِرَتي
والبحرُ كَمْ شطآنُهُ بَعُدَتْ
وتَكَسّرتْ في النّارِ أشْرِعَتي
لكنْ ورغْمَ النّار مُنْتَصِبًا
أبْقى، وأُعْلي الأرْزَ ساريتي
وأقولُ للأنواءِ ما جَمَحَتْ:
“وطني سيبقى الدَّهْرَ صَوْمَعَتي”
*عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سابقا