لبنان بين تطرفين مدمرين.. وحزب الله يمتلك القوة والدولار
يعيش لبنان أزمة ماحقة لم يعرف لها مثيلاً، حتى ما قبل تأسيسه وولادة دولته: انهيار سياسي واقتصادي ومالي، ما من أحد قادر على لجمه. وإقليم متخبط يحوط لبنان، وسبقه في تدهوره في أزمة عميقة، قد تؤدي إلى تفككه. والسلطة اللبنانية مفلسة، إلا من الجنون العميم، وقلة الدراية والكفاية، ومن تضارب أطرافها، وتشبث كل طرف بمشروعه الأسخف من الآخر.
قعر العجز التام
ينذر
هذا كله بذهاب لبنان إلى المجهول. فيما كلٌ من السلطات المفككة فيه يدّعي
القوة والإنجاز الكلاميين المعسولين. وعند كل منعطف تتدحرج إليه الأزمة،
يخرج أرباب السلطة مدّعين أنهم غير مسؤولين عن الانهيار. ليس لدى أي منهم
رؤية لعملية إنقاذية: لا القوى المالية والاقتصادية، ولا من يمتلك بقية رأي
ونفوذ في المجتمع المتذرر بين جماعاته المعتصبة والمتناحرة على إيقاع
الانهيار الاجتماعي والسياسي. ولا من يتمتع بحد أدنى من الوعي والرأي. بل
الجميع غير قادر على اجتراح فكرة أو وجهة تلم شتات الاحتجاجات في الشارع.
اكتمال غياب المجتمع
الوضع
الراهن الذي تراجعت إليه التظاهرات، يعني أن متظاهري 17 تشرين المتنوعين
والمتخالطين، استسلموا لعمليات التخريب والتهويل والتطييف. لقد خسروا
الساحة، فيما أثبتت قوى السلطات المتضاربة سيطرتها على الشارع. وهذه حال
القطاعات الاقتصادية الغائبة عن السمع، وغير القادرة على الاضطلاع بأي دور
فاعل.
أما الحاضر الوحيد فهو المصارف التي لديها حساباتها ومصالحها
وارتباطاتها. وتغيب نقابات المهن الحرة، وروابط العمل في القطاع الخاص،
والنقابات العمالية.
تطرفان مدمران
في المقابل، هناك
نوعان من التطرف: الأول يريد نزع سلاح حزب الله ويطرح تطبيق القرار 1559.
وهذا لا يؤدي إلى أية نتيجة إيجابية في الوقت الراهن. والتطرف الآخر يدافع
عن حزب الله ويلتزم سياسته وتوجهاته، ويريد خوض معارك وهمية دونكيشوتية ضد
النظام الدولي.
حكومة فراغ ممتلئة الأطراف
حكومة الظلال في حال
موت سريري. تعيش على أوكسيجين اصطناعي، لإطالة عمرها. لا شيء يبرر إسراعها
في إنجاز التعيينات كما فعلت، إلا ظنُّ كثيرين أن هذه الحكومة آيلة إلى
السقوط قريباً. فيما غاية القيميين عليها اجتياح المناصب الإدارية العليا،
والإمساك بمفاصل السلطات الأساسية في الدولة.
الوضع في لبنان، إذاً، ذاهب نحو التلاشي أكثر فأكثر على صعيد المؤسسات. وقريباً نكون في مواجهة استحقاقات كبرى. وهذا الواقع يقود الأطراف المتنازعة إلى البحث عما يمكنها تحصيله محاصصة من كعكة السلطة: رئيس الحكومة يريد حماية حكومته وإطالة أمد بقائها، ولا بأس بتنازله عن كل شيء. تيار رئيس الجمهورية لديه هدف واضح وأساسي: السيطرة على كل مفاصل الدولة، فنجح وتوج ذلك بالتعيينات المالية والإدارية، وتعطيل التشكيلات القضائية. حزب الله لديه مشروعه الناجز، والذي يجعله القوة الأبرز على الساحة، على الرغم من العقوبات والضغوط التي يتعرض لها.
دولارات حزب الله وقوّته
حزب الله لم يتنازل، ولن يتراجع. يحتفظ بشطر من دولارات لبنان، وتأتيه دولارات أخرى من الخارج. وساعة يشاء قادر على جمع دولارات من السوق السوداء. وهو ويقول إنه القادر الوحيد على الاكتفاء المالي الذاتي. وقد يقول أيضاً إن الدولارات تأتيه من إيران، في معرص نفيه التهم التي يتعرض لها بأنه يسحب الدولار من الأسواق. هذه التجربة حصلت قبل أيام في سوريا: ضُخت دولارات في أسواقها، وقيل إنها جاءت من إيران، وعملت على رفع الليرة السورية.
ويحتفظ حزب الله بمنطقتين جغرافيتين أساسيتين: الحدود مع
فلسطين المحتلة، والحدود مع سوريا، وخلفه أكبر كتلة شعبية تخوله البقاء
قوياً في كل معادلة ومفاوضات. أما خصومه فليس لديهم سوى ما تبقى لهم من
أيام سابقة، وما قد يتمكنون من حمايته بشق الأنفس.
فيدرالية الفوضى
هذا
كله منتهى التفكك، يمكن قراءته في الحديث عن الفيدرالية وغيرها. فيدرالية
كنتونات جغرافية ومالية وأمنية، نشأت نتيجة تلاشي الدولة المديد، وتلاشي
قدرتها على السيطرة.
البعض يظن أن الفيدرالية تسهم في حلّ الأزمة. فمعها لا يعود مبدأ السلطة المركزية هو الأساس. وهذه الطروحات وليدة الانهاك والفوضى التي قد تتزايد في المرحلة المقبلة. لذا، لا بد للثورة من أن تبتكر تحالفات اجتماعية جديدة، وتعبيرات سياسية واضحة، وأخرى شعبية بالمعنى الاجتماعي. وهذا للتمكن من تحريك فئات المجتمع كلها، واستبعاد الحسابات والتوترات المذهبية والطائفية.
المدن