نصر الله يتلقف الطرح الفرنسي.. وشبهات دولية حول حزبه
منير الربيع – المدن
سريعاً بدد الحكم اللبناني دفعة الأوكسيجين التي منحته إياها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. عاد المسؤولون إلى صممهم. قال ماكرون للبنانيين وللدول المعنية إن هناك شراكة في ثقافة الحرية بين فرنسا ولبنان، ولن تتخلى باريس عن هذه الشراكة. وكأنه يقول للجميع: لن ندع لبنان يغرق في صحراء الشرق المظلمة. ولن نسمح بوقوعه في فاشية شديدة القسوة والظلام. ولن نسمح بغياب واحة الحرية والتنوع في الشرق، حيث تحكم الأحاديات القاتلة، وديكتاتوريات القسوة.
حزب الله لبناني فقط وحضر التنوع اللبناني من خلال كلام ماكرون عن حزب الله – بعدما سلّفه مع ربيبته إيران كثيراً ويستمر في تسليفهما – ولقائه بالنائب محمد رعد المدرج على لائحة الإرهاب الأميركية. وفي هذا يعترف ماكرون بوجود حزب الله ودوره وتأثيره، وحرص على ترجمة ذلك سياسياً، متجاوزاً قانون قيصر الأميركي.
وحسب المعطيات، أوصل ماكرون رسالة مباشرة إلى حزب الله، وقد
تتكشف في الأيام المقبلة، ومفادها الحرص الفرنسي على دور الحزب في لبنان..
ولكن ليس خارجه.
“براءة” عون وتفرده
لكن كلام الرئيس
ميشال عون يوحي وكأن لا كارثة حصلت في البلد، ولا جاء الرئيس الفرنسي في
هذه المناسبة الأليمة وتحدث عن التنوع. فعون لا يزال مصراً على نزعته
إياها: يريد أن يحكم البلد بمفرده، وبغطاء من حزب الله وحده. وجدد مواقفه
بتحميل مسؤولية التفجير لأسلافه في الحكم، علماً أنه في رأس السلطة منذ
العام 2016. ورفعت له تقارير كثيرة حول مخاطر هذه المادة، لكنه قال إن حدود
صلاحياته منعته من التحرك!!
وفي وقت رفع هذه التقارير الأمنية، ترأس عون عشرات الاجتماعات
الأمنية واجتماعات المجلس الأعلى للدفاع. فهل منعته صلاحياته طرح هذا
الموضوع على المجلس؟
تحقيق إداري!
وفي كل الأحوال، كل
تصريح لمسؤول لبناني يتكشف عن الهراء والعري أكثر فأكثر. وتتكشف المطامع
والنوايا التي لا تزال على جشعها، فلا يستوقف أحداً المصاب الجلل. وكأن لا
ماكرون جاء ولا قرّع القادة السياسيين اللبنانيين، فهللوا لزيارته ونسوا
تقريعه.
لكن عون طرح فرضية جديدة لحادثة المرفأ، لا بد من أخذها
بالإعتبار: اعتبر أنه من غير المعروف ما إذا كان سبب التفجير تدخل خارجي أو
استهداف بقنبلة أو بصاروخ. ومنذ اليوم الأول لم تشأ الحكومة والمعنيون
الذهاب إلى تحقيق جنائي أو جرمي، بل وعدوا بتحقيقات “إجرائية وإدارية”.
بينما المشكلة الفعلية في مكان آخر.
شبهات دولية: حزب الله
ينقسم
اللبنانيون على التحقيق الدولي، فيما التحقيق المحلي لن يصل إلى أي نتيجة،
ولن تتكشف بموجبه أي من الملابسات. هذا فيما تقارير كثيرة محلية وخارجية،
تتحدث عن وجود مواد متفجرة غير نيترات الأمونيوم. وهناك من يتحدث عن وجود
ذخائر ومواد لها علاقة بصناعة الصواريخ، ومادة الـ AZOTT، المعروفة
الاستخدام لدى خبراء المتفجرات.
والتحقيقات الأولية التي أجرتها فرق
التحقيق العسكري، تفيد بوجود فتائل تفجير. وهذه كلها شكلت صواعق فجّرت
كميات نيترات الأمونيوم. وهنا تجنح التحقيقات إلى مكان آخر: هل أن كمية
نيترات الأمونيوم كما حكي عنها، أم أنها أقل من ذلك؟ وهذا يفتح تساؤلات
كثيرة، إذا ما كانت الكميات الناقصة قد هرّبت إلى أماكن أخرى. وهناك دول
كثيرة اتهمت حزب الله وألقت القبض على عناصر منه بجرم حيازة مواد نيترات
الأمونيوم، وبدأت تحقيقاتها لاكتشاف ما إذا أتت هذه الكميات قد هُربت من
مرفأ بيروت، وكيف هُربت. أما من الموزمبيق فليس من جواب واضح حتى الآن حول
وجهة الشحنة، وسط تقديرات كثيرين أن السفينة كانت متجهة إلى لبنان، بصرف
النظر عن تزوير أوراق وجهتها، وادعاء انتقالها إلى الموزمبيق. وهناك معطيات
تفيد أن بعضاً من المواد قد وصلت قبل مدة وجيزة. وهنا ثمة تلميح دولي إلى
أن ذلك حصل بعد استهداف كل شحنات الأسلحة التي كانت تصل إلى مطار دمشق.
مقايضة دولية؟
لكن
أمين عام حزب الله نفى ذلك كلياً، واعتبر أن كل الاتهامات التي تساق تهدف
إلى الاقتصاص من حزبه، والاستثمار من هول الفاجعة. ثم دعا إلى الوحدة ولم
الشمل، ورحب بأي مساعدة دولية للعمل على الحوار، ما يعني ملاقاته الدعوة
الفرنسية التي أطلقها ماكرون. وهنا لا بد من رصد المرحلة المقبلة، لمعرفة
ما سيدور في الكواليس بين الحزب والفرنسيين.
فالحدث الضخم سيستدعي المزيد من التدخلات الدولية لفتح أبواب المفاوضات. فيما كان ماكرون قد ذهب إلى النهاية سريعاً: إعادة طرح ميثاق سياسي جديدة، أي مقايضة الوضع العسكري والسياسي الشاذ في لبنان وخارجه، بوضع جديد يتعزز فيه دور الأقوياء.