البروفسور دبيبو: لا تخافوا.. سنكتسب المناعة قبل وصول اللقاح
في ظل تفشي وباء كورونا، وعودة موجة الهلع “الحكومي”، وتنامي الحديث عن عدم فاعلية “مناعة القطيع”، بسبب ضعف قابلية الأجسام المضادة لكورونا على الاستمرار والعمل في جسم الإنسان، ومسارعة وزير الصحة حمد حسن لتبشير اللبنانيين بقرب اكتشاف اللقاح في غضون شهرين، اتصلت “المدن” بالدكتور غسان دبيبو، رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية ببيروت، وبروفسور في طب الأطفال والأمراض الجرثومية والمعدية، مسطلعة منه رأيه في هذه الأمور.
وفي خلاصة عامة يعتقد دبيبو أن لبنان ليس في وضع خطر، على
خلاف التحليلات السائدة. فالغالبية العظمى من المصابين يكتسبون مناعة تحول
دون إصابتهم مرة ثانية. ولقاح كورونا لن يصل إلى لبنان قبل سنة.
تفاوت الانتشار والخطورة
-يبدو أن الوباء عاد لينتشر بسرعة عالمياً، لكن أعراضه لم تعد كالسابق، كيف يتطور الفيروس حالياً؟
سرعة الانتشار واتساع رقعته وازدياد عدد الإصابات عالمياً، كما هو حاصل حالياً، أمر طبيعي جداً -وفق دبيبو- لأن البشرية تتعامل مع فيروس جديد، لا تمتلك مناعة سابقة عليه، رغم وجود مناعة من فيروسات مشابهة لدى شطر كبير من السكان. وهذه المناعة قد تفسر وجود “حماية” معينة للسكان، تظهر في عدم بروز أعراض كبيرة عليهم لدى إصابتهم، مثل تلك التي شهدناها في بداية تفشي الوباء. وفي الأحوال كلها، وطالما لم تكتسب أجسام البشر مناعة خاصة بكورونا، سيستمر عدد الإصابات بالارتفاع في الدول والبلدان، إلى حين تشكل حصانة لدى معظم السكان. وهذا، بمعنى آخر، نوع من المناعة التي تعرف بمناعة القطيع.
في المقابل، يلاحظ في الموجة الثانية هذه، أن عدد الأشخاص
الذين يدخلون غرف العناية المركزة قلّ عالمياً. وثمة تفسيرات كثيرة لذلك:
عدد الفحوص بات مرتفعاً، وبتنا نعلم أكثر عن نوعية الإصابات وأعراضها
(الطفيفة أو الصامتة) التي تكبّر مؤشر الديناموميتر، وتقلل نسبة الأشخاص
الذين يعانون من أعراض خطيرة تستدعي الدخول إلى وحدات العناية الفائقة. وقد
حصلت تغييرات على مستوى الفيروس. التغير المثبت علمياً أن الفيروس بات
ينتقل بفاعلية أكبر، لكن لا إثبات علمياً على تغييرات طرأت عليه تجعله أقل
حدة على مستوى الأعراض التي يسببها. هناك استثناء واحد في هذا المجال ظهر
في آسيا، حيث تبين أن الفيروس فقد سلسلة من الأحماض جعلت أعراضه خفيفة،
قياساً بالفيروس المنتشر عالمياً. وهذا يرجِّح فرضية حصول متغيرات في
الفيروس مع مرور الزمن، وتغير في طبيعته يجعله أقل خطراً.
لبنان خارج الخطر
-الفيروس
منتشر في لبنان على نطاق واسع، والأرقام الفعلية للإصابات تبدو كبيرة
جداً. لكن في المقابل، تظهر الأرقام أن نسبة الوفيات ما زالت عند 0.8 في المئة، ونسبة الذين يدخلون العناية الفائقة من الحالات النشطة، تقتصر على 0.6 في المئة، هل هذا يعني أن لبنان ليس في خطر؟
يؤكد دبيبو على عدم خطورة الوضع في لبنان. ونحن حتماً لا نسير
وفق النموذج الإيطالي أو الإسباني، كما يهول البعض. وهذا مرده إلى أن
التوزع العمري للسكان في لبنان مختلف عن الدول الأوروبية في ترجيح الفئة
العمرية الصغيرة والمتوسطة السن عندنا. وهناك تفسير آخر ما زال نظرياً حتى
الساعة: العائلات اللبنانية كبيرة الحجم وتعيش في اندماج وتلاصق اجتماعي
يومي. والزيارات بين أفراد العائلة متكررة ودائمة وغير متباعدة زمنياً.
وهذا يجعلنا في نوع من علاقة تواصل “جرثومي” دائم. فالأطفال ينقلون غالباً
الفيروسات والجراثيم لأفراد العائلة الكبيرة والأقارب. وهذا يؤدي إلى تشكيل
حافز مستمر للمناعة، ما يجعلنا نكتسب مناعة أعلى من غيرنا من الشعوب
الأوروبية.
المناعة الخلوية
-البعض يقول إن المناعة من كورونا قصيرة الأمد، ما يعرض الشخص للإصابة أكثر من مرة. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
هذا غير صحيح، يقول دبيبو. لكن قبل ذلك علينا أن نحدد معنى المناعة. المناعة “الخاصة” نوعان: مناعة مكتسبة تظهر من خلال أجسام مضادة طبيعية يسهل قياسها بسهولة في المختبرات. بمعنى أن شخصاً ما اكتسب أجساماً مضادة للفيروس، تصبح لديه مناعة ضده. وهناك المناعة الخلوية التي يصعب قياسها إلا في مختبرات متطورة ومتخصصة. بالتالي عندما يقال إن المناعة تختفي، يكون الحديث عن مناعة الأجسام المضادة التي لا تستمر في الأحوال كلها إلا لفترة أشهر معدودة. أما المناعة الخلوية فطويلة الأمد، ولا معلومات علمية حولها في ما يتعلق بكورونا، لأنه فيروس حديث العهد. لكن في المقابل تشير الدراسات إلى وجود المناعة الخلوية بكثرة، فتمنع حصول أمراض وأعراض خطرة عندما يصاب الشخص مرة ثانية.
ويضيف دبيبو: نسبة الإصابة مرة ثانية بالفيروس عالمياً لا
تتجاوز مطلقاً 10 في المئة من المصابين. ومعظم من يصابون للمرة الثانية
أعراضهم طفيفة، باستثناء الأشخاص الذين يعانون من مشاكل معينة في جهاز
المناعة. بالتالي الغالبية العظمى من السكان يشكلون مناعة ولا يصابون مرة
ثانية. واختصاراً تفيد المعلومات العلمية أن الأشخاص الذين يصابون يمتلكون
مناعة خاصة، تمنع إصابتهم مرة ثانية، وفي حال حصلت، تكون بلا أعراض أو
طفيفة الأعراض.
اللقاح لا يزال منتظراً
-العالم كله
ينتظر لقاحاً للفيروس. وقد تداول البعض تصريحات لمنظمة الصحة العالمية تفيد
أنه سيتوفر في نهاية العام الجاري. وسارع وزير الصحة لإعلان قدوم اللقاح
قريباً. ما مدى دقة هذه المعلومات؟
أعتقد أن تصريح المنظمة العالمية، يشوبه سوء فهم أو سوء ترجمة. لأنه بعيد جداً عن الواقع. فحتى الساعة ليس من لقاح حصل على الترخيص المطلوب للاستعمال. ولا أرى أن اللقاح سيتوفر في لبنان قبل سنة، أو أشهر ستة على الأقل. وهناك عوامل عدة تدفعني في هذا الاتجاه. فالشركات التي تعمل على اللقاحات، والتي باتت في مراحل متقدمة، لم تتقدم بعد للحصول على الرخص المطلوبة، التي تعتمد على مراجعة نتائج الدراسات التي قامت بها الشركة. وهي لم تنشر أي منها بعد، لمعرفة مدى فاعلية هذا اللقاح. وهنا نطرح أسئلة: هل يوفر اللقاح المزمع إطلاقه مناعة للإنسان تحميه من الإصابة، أم أن المناعة تقاس في المختبرات، ولا تنطبق على البشر؟ فنحن نريد معرفة نوعية المناعة التي تشكلت: هل هي منخفضة، جيدة، أم يمكن أن تحدث اضطرابات في كيفية تعامل الجسم مع الفيروس، وقد تؤدي إلى إصابة الشخص بشكل أقوى من الطبيعي؟
فإذا اختبرنا اللقاح على ألف شخص، وهناك عشرة بينهم، أصيبوا بالفيروس بشكل أقوى من الإصابة من دون لقاح، وقد يموتون جراءها، فهذا يعني عدم فاعلية اللقاح. وهذه أمور مهمة قبل الهرولة لطلب اللقاح والتلقيح.
نحن بتنا في المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح، وهي تجيب على هذه الأسئلة التي نطرحها. لكن الدراسات لم تنشر بعد. وعند الانتهاء، على الشركات الحصول على الرخص لتصنيع اللقاح. فضلاً عن المدة الزمنية التي سيستغرقها تصنيعه ليوزع على الدول. وهنا نسأل: من هي الدول التي لها أولوية في الحصول عليه؟ هل لبنان له أولوية؟
تصريح وزير الصحة أن لبنان حجز عشرين في المئة من حاجته للقاح، تفاؤلي. فهل يطبق هذا الأمر في الواقع؟ على سبيل المثال، عندما تبدأ أي شركة بتصنيع اللقاح، هل يكون لبنان من أول الدول التي ستحصل عليه؟ أم ستكون الأفضلية للدول التي تعمل فيها الشركة ولشركائها من باقي الدول؟ وهل سيتوفر اللقاح بسرعة عالمياً؟ في النهاية سيتوفر اللقاح، لكن متى سيحصل هذا الأمر: خلال شهر أو اثنين أو ستة أشهر أو أكثر؟ هو السؤال المطروح. في الأثناء سنستمر في تشكيل مناعة ضد هذا الفيروس، ليتحول ويصبح مثل باقي الفيروسات
المدن