بين السياسي الفاسد والسياسي الغبي الإنهيار واحد!
كتب نقولا أبو فيصل*
لا حاجة بعد اليوم على الاطلاق إلى أن نطمس في الاعلام ما يدور في الكيان اللبناني من فقدان للوعي والإدراك، وقلة اخلاق لدى الطبقة السياسية الحاكمة “لأنّ الشمس شارقة والعالم قاشعة ” كما يقال في العامية.
حتى الدول الكبرى تعرف بالتفصيل الممل ما يجري في وطن النجوم، وتعرف ايضا كم هي سيئة الادارة المتوارثة في هذا الوطن. ولا يتوانى السفراء العرب والاجانب الذين التقيهم في التعبير عن دهشتهم وصدمتهم من وقاحة السياسيين في لبنان ومن فساد حزب المصرف والحاكم بأمر المال ومن عدم مبالاتهم لما يجري من قهر للشعب على أيديهم من دون أن يرف لهم جفن.
الجميع في لبنان والعالم يعرف ماذا يجري عندنا وماذا حل بنا من ويلات على أيديهم، ولماذا؟ وصولا الى حدّ رغبة الشعب بأجمعه في الهجرة لو استطاع الى ذلك سبيلا.
ظاهرة قلة الاخلاق والضمير الى حدّ الإجرام باتت حالة مرضية مستعصية فتكت بالسياسيين اللبنانيين من كل الطوائف وتحولت الى عدوى سرعان ما تنتقل للجدد منهم. حتى أن التبجّح بل الوقاحة والتعجرف وصلت عند بعضهم حدّ المفاخرة بأعمالهم الجرمية على غرار ما صرح به وزير في حكومة تصريف الأعمال كان ضابطا في الجيش عن قتله مواطنين ينتميان الى أحد الأحزاب خلال الحرب
اليوم كلنا شهود على الانهيارات المأساوية المتسارعة للمؤسسات والشركات والمصالح الخاصة، وعلى تسجيل اكبر نسبة اقفال، وهجرة نتيجة إنعدام ثقة المواطنين في السياسيين والحكام غير الحكماء. لكن يجب الا نبقى شهودا نكتفي بالتململ والتعبير الضمني عن الهواجس والمخاوف على وطننا وأهلنا من إهمال الدولة للقطاعات الاقتصادية الانتاجية، بل علينا رفع الصوت عاليا وعاليا جدًا رفضا للقرارات الخاطئة والمدمرة للاقتصاد اللبناني كمثل قرار دعم السلة الغذائية الذي شكّل مزرابا جديدًا لأموال المكلّفين في جيوب تجار الازمات والجشع، وصولا الى قرارات اقفال البلاد الخاطئة وغير المجدية بهدف الحدّ من انتشار الكورونا خاصة أن النتائج وأرقام الاصابات لا تزال صادمة مع إقفال أو من دونه.
لا أعرف ماذا سيكتب التاريخ يوما؟
أم أن المنتصر وكالعادة هو مَن سيكتب هذا التاريخ ويزوره حسب مصالحه ومصالح طائفته على حساب الوطن والشعب.
المؤسف أننا في لبنان لم نعد نستطيع التمييز بين السياسي النظيف والسياسي الأزعر ، ولا بين السياسي الفاسد والسياسي “الخيال صحراء” أي المتستر (الواجهة) على السياسي الأزعر !
وكم يصحّ عندنا ذاك القول المأثور “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت..فإن هم ذهبت أخلاقهم، ذهبوا”. فانعدام الأخلاق لا يقتصر على المستوى السياسي وحسب بل انه بات شاملا للقطاعات كافة بلا استثناء: الدينية والتربوية والصناعية والتجارية وغيرها وغيرها، بحيث يتم تجاوز المحرّمات الأخلاقية كلها دفعة واحدة وفي ذلك قمة الإنهيار الأخلاقي وزوالنا كأمة! حتى أن الفساد ما عاد يعد فسادًا إنما “شطارة”، والاعتداء على مقدّرات الدولة والمال العام يعد حلالا، وجباية الضرائب صارت أشبه بالخوّة التي تفرض على أبناء منطقة معينة دون غيرها وفي ذلك بلطجة وفساد!
في لبنان من لا يتقن فن الكذب والفساد والاستزلام الأعمى يُعد انسانًا فاشلا..نعم بات المواطن الشريف-غير الفاسد يعد للأسف فاشلا حتى لا نقل غبيّا، فيتم تهميشه والاستئساد عليه من الفاسدين في كل القطاعات.
والعجب كل العجب حين نسمع غالبية السياسيين يتحدثون عن الدولة الفاسدة وكأنهم آتون من المريخ وليسوا هم أولياء أمر ورعاة جميع الفاشلين والفاسدين.
أعرف أنّهم يستخفّون بعقولنا وهذا مظهر آخر من تعجرفهم وإجرامهم، لكن حبنا للبنان وتمسكنا به وبالاخلاق والقيم التي تربينا عليها يجعلنا نصبر على هؤلاء، لأن الله يمهل ولا يهمل، فهم راحلون عاجلا أم آجلا..ولبنان باق الى دهر الداهرين.
*كاتب ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع ومدير عام مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية