الأزمة المفتوحة تنذر بانهيار ما بين الحكومتين
مع طي نحو ثلاثة أسابيع من الجمود التام في مسار تأليف الحكومة الجديدة وسط شلل غير مسبوق في التحركات السياسية، ولاسيما منها اجتماعات التشاور الثنائي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف #سعد الحريري، بدأ منسوب المخاوف من تحول ازمة التأليف الى أزمة فراغ حكومي ومؤسساتي مفتوحة وسط أخطر الظروف المصيرية التي تطبق على لبنان، يرتفع بقوة في الأيام الأخيرة منذرا بانزلاق كبير للبنان نحو انهيار شمولي هذه المرة. وعلى رغم عودة الرهانات على استئناف الحركة السياسية هذا الأسبوع وتحريكها مجددا من خلال زيارة مرتقبة للرئيس الحريري الى قصر بعبدا في الساعات المقبلة، فان ذلك لم يقترن بأي معطيات إيجابية مضمونة حيال امكان تذليل التعقيدات والاشتراطات والخلفيات غير المعلنة التي باتت تشكل حواجز متصلبة امام تسهيل عملية تشكيل الحكومة، الامر الذي أخذ المنحى السياسي المتصل بأزمة التشكيل في اتجاهات أخرى تثير تساؤلات قلقة عما اذا كانت هناك نيات مبيتة للإبقاء على واقع حكومي عالق بين حكومة تصريف اعمال محدودة الإنتاج والتصرف، وحكومة قيد التأليف وممنوعة من الولادة قبل استنفاد الجهات المعطلة للتشكيل أهدافها الداخلية والخارجية. وقد أفادت المعلومات المتوافرة لـ”النهار” في هذا السياق ان الرئيس الحريري يرجح ان يقوم بزيارة قصر بعبدا اليوم للقاء الرئيس عون وتقديم تشكيلة حكومية من 18 وزيرا وزع فيها الحقائب مقترحا أسماء محايدة غير حزبية تتناسب وروحية المبادرة الفرنسية وحكومة المهمة التي نصت عليها المبادرة. وتشير هذه المعلومات الى ان الرئيس الحريري يسعى جاهدا لتأليف الحكومة في أسرع وقت وهو يريدها اليوم قبل الغد من دون أي ربط مع أي استحقاقات خارجية كما يشيع لدى بعض الأوساط السياسية. غير ان المصادر المعنية في قصر بعبدا او في بيت الوسط لم تؤكد حتى مساء امس موعد زيارة الحريري لبعبدا اليوم.
وفي ظل هذا المعطى، يبدو ان الأسبوع الحالي سيكتسب أهمية مفصلية ليس من جهة توقع حلحلة “سحرية” في الانسداد الحاصل، وهو أمر لا أوهام لدى أي فريق او طرف حياله باعتباره مستبعدا تماما في اللحظة السياسية الحالية على الأقل، وانما لجهة قياس الاستعدادات القائمة لدى الافرقاء المتورطين في ازمة تأليف الحكومة للبدء في مسار تفاوضي جديد وجدي ومرن خلافا لما طبع المرحلة السابقة وذلك نظرا الى مجموعة معطيات ووقائع ستضع أطراف ازمة التاليف في عين الاستحقاقات الضاغطة والعواصف المالية والاقتصادية والاجتماعية الإضافية والشديدة الخطورة التي تنذر بالهبوب على البلد. من ابرز المعطيات الداخلية أولا ان الاجتماع الذي دعا رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الى عقده اليوم في السرايا في حضور وزراء معنيين وحاكم #مصرف لبنان رياض سلامة لبت مسألة الدعم على السلع الأساسية وارتباط هذه المسألة الحيوية بموضوع الاحتياط الإلزامي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان يشكل نذير انزلاق لبنان الى أخطر مشكلة اجتماعية عرفها منذ بدء الازمة المالية في العام الماضي، بما يعني ان الإجراءات التي ستتخذ او التي يفترض ان تقترن بتخفيض كلفة الدعم واحداث بدائل كالبطاقات التموينية ستكون بمثابة بدء مرحلة جديدة من التعامل الشاق جدا مع تداعيات الازمة المالية والاجتماعية بما يفرض تصاعد الضغط بقوة جارفة لتشكيل حكومة جديدة يمكنها ان تواجه هذا الاستحقاق البالغ الأهمية والخطورة.
وفي موازاة ذلك، فان المعطى المالي يشكل الاستحقاق الثاني الذي لا يقل خطورة نظرا الى احتمال عدم التوافق بين المعنيين الرسميين وحاكم مصرف لبنان و#المصارف في موضوع #الاحتياطي الإلزامي الامر الذي قد لا تتمكن حكومة تصريف الاعمال من مواجهته بقرارات حازمة ومتوازنة.
موقف أوروبي
وبالإضافة الى مختلف وجوه تداعيات الازمات المتفاقمة بخطورة عالية، بدأت الاستعدادات للزيارة الثالثة هذه السنة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي #ايمانويل ماكرون للبنان في كانون الأول الحالي، والتي وان لم تحدد الرئاسة الفرنسية موعدها النهائي الرسمي بعد، فان المعلومات التي رجحت حصولها قبل عيد الميلاد ستفرض تحركا سياسيا ورسميا سريعا لملاقاة هذه الزيارة وعدم البقاء في دائرة المراوحة في انتظار الزيارة واللقاءات التي سيجريها الرئيس الفرنسي مجددا مع المسؤولين الرسميين والزعماء السياسيين. وبالإضافة الى الدلالات القوية التي تكتسبها الزيارة الثالثة لماكرون للبنان وتصميمه الثابت على الضغط على القوى السياسية لتشكيل حكومة جديدة والانطلاق في مسار تنفيذ الإصلاحات الجوهرية العاجلة سيصدر اليوم بيان وصف بانه بارز ومهم عن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مجتمعين بعد الاجتماع الذي سيعقدونه في بروكسيل حيث سيبحثون في أفكار ألمانية لإنقاذ لبنان يتبناها الاتحاد الأوروبي وترتكز على دعم أوروبي قوي للمبادرة الفرنسية حيال لبنان واستعجال تشكيل حكومة تحظى بالصدقية الإصلاحية المطلوبة لاطلاق مسار الإصلاحات في لبنان .
مجددا: الراعي وعودة
وسط هذه المعطيات برزت على الصعيد الداخلي مواقف حادة جديدة لكل من البطريرك الماروني #الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس #المطران الياس عودة من الازمة الحكومية . فالبطريرك الراعي الذي لفت بمرارة الى ان البيان الختامي لمؤتمر باريس تحاشى ذكر كلمة الدولة اللبنانية وتوجه الى الشعب اللبناني دون سواه سأل :” الا يشعر المسؤولون في لبنان بالخجل ؟ وهل من مبرر لعدم تشكيل حكومة جديدة تنهض بلبنان الذي بلغ ما تحت الحضيض والانهيار ؟” . وتوجه مباشرة الى الرئيسين عون والحريري قائلا :” مهما تكن الأسباب الحقيقية التي تؤخر اعلان حكومة جديدة فانا ندعو رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى تخطي جميع هذه الأسباب واتخاذ الخطوة الشجاعة وتشكيل حكومة انقاذ استثنائية من خارج المحاصصة السياسية والحزبية …الفا حكومة الشعب فهو البداية والنهاية “.
اما المطران عودة فاعتبر بان “العالم فقد ثقته بلبنان بسبب فساد زعماء بلدنا الذين جعلوا الفساد قانونا وسقوا كل روافد الدولة من ماء فسادهم فاقحل الوطن لعدم توافر نبع عذب يروي عطشه الى الحقيقة والعدالة والازدهار “. وسأل “الى متى ستمعنون الطعن في خاصرة وطنكم بخنجر عدم ولائكم له ؟” مشددا على “ان ما نحن في حاجة اليه هو تحرير ما تبقى من قبضة السياسيين”.