منع النرجيلة في موسم الأعياد وإلا… آلاف الإصابات بكورونا في بداية 2021
بقلم البروفيسور غسان سكاف*
منذ كانون الثاني 2020 وبعد أن خرج فيروس كوفيد19 من القمقم الصيني ليغدو مارداً مخيفاً أدخل العالم في أكبر حجر صحي في التاريخ وأثقل الإمكانيات الصحية لدول عديدة، نجحت التجربة الصينية في احتواء الوباء وانحسار انتقال الفيروس بإعتماد نهج مشترك بين الحكومة والمجتمع بأكمله.
فيروس كوفيد19 الذي تسلل من حيوانات أسواق ووهان إلى البشرية يستكمل مسيرته اليوم ويرسم أدواراً جديدةً في العالم فينهي حكاماً وحكومات فأقصى الرئيس ترامب عن البيت الأبيض نتيجة أدائه ووسائل تعامله مع الجائحة وأتى بجو بايدن إلى سدة القرار. كورونا، هذا الوباء الذي استطاع أن يفرمل كل أحلام الكون هل سيقضي كلياً على أحلام اللبنانيين.
أما وقد قاربنا المشهد الكارثي في لبنان فإن استهتار اللبنانيين في تطبيق الإجراءات وتقاعس السلطة عن المحاسبة وعدم جهوزية المستشفيات بما يتناسب من بنية تحتية ومعدات لمعالجة مرضى كورونا سيعيش لبنان رعب إنهيار المنظومة الاستشفائية في حال لم تسارع السلطة إلى التوافق على إجراءات قاسية وحاسمة لمنع تفشي الوباء.
تفيد الاحصاءات في لبنان أن 33% من الشابات و42% من الشباب بين 16 و 18 سنة يستخدمون النرجيلة في المطاعم والمقاهي. هؤلاء هم “الموزعون الصامتون” لفيروس كوفيد19 لأن أكثر من 80% من الحالات في هذه الفئة العمرية هي حالات خفيفة يتعافى منها المصابون دون أن يدركوا أنها كورونا. علينا الوقاية والعمل على منع تحول الإصابة الفردية إلى إصابة جماعية ثم إنتقال العدوى على مستوى المجتمع وقد كشفت هذه الازمة المأساوية أن الأفراد عاجزين كلياً عن مواجهة الفيروس وأن المواجهة تتطلب تدخل الدولة بقوة وفاعلية، وأن ما كان يمكن أن يصح في إحتواء الإنتشار في بداية الوباء لا يصح اليوم وأن على المجتمع التوقف عن تسخيف العلم والطب والترويج لنظريات المؤامرة.
في لبنان، ستوفر التجمعات الاجتماعية خلال أعياد الميلاد ورأس السنة فرصةً كبيرة لانتشار الوباء وقد أظهرت الأدلة العلمية أن استخدام النرجيلة يرتبط بزيادة خطر انتقال فيروسات الجهاز التنفسي بالاضافة الى فيروسات أخرى وذلك لأن الطبيعة الجماعية لتدخين النرجيلة تعني إستعمال خرطوم واحد يتم تقاسمه بين المستخدمين في المقاهي والمطاعم. كذلك توفر النرجيلة نفسها (بما في ذلك الخرطوم والحجرة) بيئة تعزز بقاء الكائنات الحية ومن ضمنها الكوفيد19، وتميل معظم المقاهي إلى عدم تنظيف النرجيلة بعد كل جلسة تدخين لأن ذلك يتطلب عمالة كثيفة ويستغرق وقتاً طويلاً، بالاضافة إلى خطر نقل الفيروس من قبل مقدمي خدمات النرجيلة.
تفيد الدراسات العالمية أن ساعة واحدة من تدخين النرجيلة تساوي 200 نفخة في هواء صالة مقفلة مما يزيد من خطر التدخين السلبي. فعند الزفير ينتقل الرذاذ التنفسي من شخص مصاب ويلتصق فيروس كوفيد19 المعلق في قطرات جهاز التنفس بالجسيمات وجزيئات الدخان المتولدة عن تدخين النرجيلة ما يؤدي الى انتقال كوفيد19 لأشخاص آخرين في المحيط. هذا الخطر يزداد بصورة كبيرة في الصالات الداخلية سيئة التهوية مع وصول الأمطار وإنخفاض درجات الحرارة مما يفرض إنتقال حركة المجتمع الى الأماكن المغلقة وحيث لا يتم إستخدام الكمامة أو في حال إزالتها مؤقتاً.
قال أينشتاين:” الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع إنتظار نتائج مختلفة”. علينا اليوم أن نغير المعادلة الثلاثية القائمة على اللاوعي واللارؤية واللا إرادة وإصدار قرار جريء من السلطة القائمة بمنع النرجيلة في الأماكن المغلقة في المقاهي والمطاعم على كل الأراضي اللبنانية في فترة الأعياد ومعاقبة الذين يخرقون القواعد، وإلا قد يتحول لبنان إلى قنبلة موقوتة بالمصابين والموتى في بداية 2021، فكفانا عملاً بمنهجية بالية وأدوات بالية في ظروف خطرة واستثنائية.
*رئيس قسم جراحة الدماغ والعمود الفقري في الجامعة الأميركية في بيروت