القصر يخيب الآمال… وتعقيدات سياسية على خط التأليف
نام اللبنانيون الثلاثاء على إشاعة أجواء إيجابية حول قرب تشكيل الحكومة. واستفاقوا صباح الأربعاء على بث أجواء سلبية تبدد التفاؤل. الرئيس المكلف سعد الحريري هو صاحب المبادرة إلى الإيجابية، ودوائر رئاسة الجمهورية هي التي دعت لعدم الإغداق في التفاؤل.
لعبة الإحراج
سجالات ونقاشات، لم تفض إلى نتيجة نهائية وواضحة. وتستمر لعبة تقاذف المسؤوليات. يمارس الحريري لعبة ينجح فيها حتى الآن، وهي إحراج رئيس الجمهورية في مسألة التعطيل. يخرج بعد اللقاء يصرح من القصر الجمهوري بأن الاجتماع كان إيجابياً، وثمة بوادر لولادة الحكومة.. فيظهر عون هو المعرقل. هي لعبة تكتيكية أضحت مفضوحة. وليست إلا محاولات للاستثمار بالوقت الضائع.
عندما أعلن الحريري أمس عن هذا التفاؤل والإيجابية، كان عون يستقبل الموقف بمزيج من الغضب والرفض. انقسمت أجواء القصر حول آلية الرد على الحريري. طرف يرى أنه لا يمكن الخروج عن التفاول الذي أرساه الرئيس المكلف، وأطراف أخرى قريبة من الرئيس ترى أنه لا بد من وضع النقاط على الحروف. صباح الأربعاء تبين الموقف أكثر، وهو أن الأمور لا تزال عالقة. ورئيس الجمهورية يشير إلى أنه ينتظر أجوبة من الرئيس المكلف، والعكس صحيح.
في اللقاء الذي عقد عصر الثلاثاء، تكشف المصادر، أبدى الحريري لعون مجدداً الاستعداد للتعاون. ولكنه كان حاسماً في عدم تقديم أي تنازل يتعلق بوزارتي الداخلية والعدل. تم الحديث في إعادة توزيع الحقائب. فعرض على عون وزارة التربية أو وزارات خدماتية أخرى مقابل احتفاظه بوزارتي العدل والداخلية، لكن عون كان مصمماً على الرفض، ومتمسكاً بالداخلية والعدل. ومن بين السيناريوهات التي حكي بها، أن تكون العدل لعون، مقابل التفاهم على وزير مسيحي للداخلية، لا يريد عون أن يكون أرثوذكسياً إنما كاثوليكياً، طالما الدروز سيأخذون وزارة سيادية وهي الخارجية. يريد عون أن يختار الوزير المسيحي بالتوافق مع الحريري، وهو ما أُطلق عليه صفة “الوزير الملك”.
حكومة المناكفات
تشير المصادر إلى أنه بعد اللقاء أجرى الحريري اتصالات سياسية، أبلغ فيها الجميع أنه غير مستعد وغير قادر على تقديم أي تنازل. معتبراً أنه قدّم ما يجب تقديمه لتشكيل الحكومة، والتي يجب أن لا تتحول إلى حلبة صراع، والوزراء إلى متاريس. بينما إشكالية تكليف الحريري برئاسة الحكومة، بدأت متعثرة منذ رفض العونيين لذلك، وصولاً إلى رسالة عون ودعوته للنواب إلى عدم تكليفه. واستمرت في ما بعد التكليف بالنزاع على الحصص والحقائب وصراع النفوذ والصلاحيات. وبالتأكيد ستستمر في مرحلة ما بعد تشكيلها. إذ أن النزاع بين الطرفين سيستمر على طاولة مجلس الوزراء، بحال تشكلت الحكومة. وتلك المناكفات ستؤدي إلى تعطيل وعرقلة اتخاذ أي قرار فاعل وحقيقي وجدّي. الأمر الذي سيؤول بها إلى صورة مماثلة لحكومة تصريف الأعمال القائمة حالياً.
ولكن على الرغم من كل هذا اللغو، نجحت القوى السياسية في نقل السجالات والنقاشات، من تشكيل حكومة إختصاصيين مستقلين، وفق المبادرة الفرنسية، إلى حكومة تجديد مواطن النفوذ السياسي فيها، من خلال التجاذب والاختلاف على آلية توزيع الحقائب والحصص. إنه نقاش جديد في الوقت الضائع، يشغل اللبنانيين عن همومهم الأساسية، وتستفيد منه القوى السياسية بانتظار حصول متغيرات تحتم تشكيل حكومة، لا يبدو أنها ستكون قادرة على القيام بأي خطوة جدية على طريق الإصلاح. لكنها ستكون عنصرَ لهوٍ جديد عن الأزمات الحقيقية، التي ستتجلى بالبحث في رفع الدعم وغياب الغطاء الدولي وعدم تدفق المساعدات، ودخول البلاد في مرحلة أشد قتامة.
عظمة على عظمة
كلام الحريري اليوم الأربعاء كان واضحاً أن الأمل تراجع بإمكانية تشكيل الحكومة، عازياً ذلك إلى تعقيدات وأسباب سياسية أصبحت معروفة، وقال: “ما حدا يخبركن أنو ما فينا نوقف الإنهيار.. ولكن نحن نحتاج إلى حكومة من اختصاصيين كي نوقف هذا الانهيار”. وأضاف: “لن أتوقف إلا عند تشكيل الحكومة. ويجب إعادة بناء الثقة. ولم يعد هناك وقت. فالبلد ينهار بشكل سريع”.
وشدد على أن “الإسراع في تشكيل حكومة، هو الأساس. ونحتاج إلى أشخاص نستفيد منهم لمصلحة البلد.. و”يمكن عم نتأخّر” في تشكيل الحكومة. وهذا الأمر يشكل ضغطاً على البلد. ولكن الرئيس عون وأنا حريصان على تشكيلها”.
وأشار الحريري إلى أنه “يجب على المسؤولين التفكير بالناس والمواطنين المحتاجين والمتضررين من إنفجار المرفأ. وعظمة لبنان باللبنانيين”، وأضاف: “نحن قادرون على وقف الإنهيار ولكن يجب أن نتواضع وأن نفكر في مصلحة البلد. ويجب أن يكون هناك حكومة بعد رأس السنة”.
المدن