دعوى الإرتياب: تسليم الملف “غير ملزم” والتمييزية بين “اجتهادَين”
وشهد شاهدٌ من أهل السلطة، متسائلاً: “أين ذهب 2200 طن” من نيترات الأمونيوم التي كانت مخزّنة في العنبر رقم 12 طالما أنّ الكمية التي انفجرت في 4 آب لم تتجاوز 500 طن، من أصل حمولة 2700 طن كانت قد أفرغت في مرفأ بيروت؟! خلاصة القول، إنّ ما كشفه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، المدعى عليه في قضية انفجار المرفأ، إنما يُشكّل مضبطة اتهام قائمة بحد ذاتها، تثبت واقعة النهب المنظّم والسرقة الموصوفة التي تعرضت لها شحنة النيترات المشؤومة، مقرونة بجملة شبهات وعلامات استفهام تحوم حول الجهة النافذة الفعلية التي وقفت خلف استقدام سفينة “روسوس” وأمّنت رسوها وتفريغ حمولتها في مرفأ بيروت، وصولاً إلى فتح فجوة في العنبر 12 لتسريب أطنان النيترات منه!
تساؤلات لا تستدعي الشك والريبة بنظر القوى الحاكمة والمتحكمة بالبلاد، بل ما أثار ارتيابها هو المحقق العدلي في انفجار 4 آب، فقامت قيامتها ولم تقعد في مواجهته، حتى وضعته هو نفسه في قفص الاتهام أمام محكمة التمييز، طلباً لـ”كفّ يده” عن التحقيق بانفجار المرفأ رداً على الادعاءات التي سطّرها في القضية. لكنّ القاضي فادي صوان، وقبيل انقضاء مهلة تقديم الدفوع والردود من المعنيين بدعوى “الارتياب” المرفوعة من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ضده، قدّم “رداً مفصلاً” إلى المحكمة التمييزية، وفق ما أكدت مصادر مواكبة للقضية لـ”نداء الوطن”، وكذلك فعلت نقابة المحامين في بيروت بصفتها مدعية، وبوكالتها عن 800 متضرر جراء انفجار 4 آب، فأرسلت بدورها “جواباً قانونياً مبكّلاً” من 20 صفحة طالبةً في خلاصته “ردّ دعوى خليل وزعيتر وإبقاء الملف في عهدة القاضي صوان ورفض طلب نقله إلى قاض آخر”.
وأوضحت المصادر أنه بعد مباشرة محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار درس دعوى “الارتياب المشروع”، وإمهالها الأطراف المعنية 10 أيام لتقديم الردود والأجوبة اللازمة، تقدمت النيابة العامة بجوابها، بينما جاء رد صوان “مستنداً إلى نصوص قانونية واضحة تؤكد وجوب إبقاء الملف لديه”، مشيرةً إلى أن مضمون رد المحقق العدلي يعكس تصميمه على استكمال التحقيقات “ما لم تقض محكمة التمييز بخلاف ذلك”.
ولدى استيضاحها عن مسار دعوى الارتياب، أفادت مصادر قضائية “نداء الوطن” بعدم وجود ”مهلة زمنية محددة أمام محكمة التمييز لكي تبتّ بالدعوى، سواء لناحية إبقاء الملف لدى المحقق العدلي نفسه أو إحالته الى قاض غيره”، لكنها لفتت الانتباه في المقابل إلى أنه نظراً لكون “طلب المدعى عليهما خليل وزعيتر لا يستند إلى موجبات صلبة ومبررات مُحكمة بالمعنى القانوني، وبما أن طلبهما هذا يستند إلى معطيات ترتكز في جوهرها إلى معلومات إعلامية، فإنّ الرأي القضائي والقانوني يذهب باتجاه ترجيح كفة ردّ محكمة التمييز طلب تنحية القاضي صوان عن القضية”.
وعما تردد عن تمنّع القاضي صوان عن تزويد محكمة التمييز بملف التحقيقات بانفجار المرفأ بذريعة أنها لم تقض بوقف سير التحقيقات، أجابت المصادر القضائية: “في حال رفض المحقق العدلي ذلك، فلن يكون رفضه بحجة استمرار التحقيقات بل لأنّ حجته القانونية للتمنع ستتمحور حول سرية التحقيقات التي تحول دون كشف ما في الملف من معطيات ووقائع لا يجوز كشفها قبل انتهاء التحقيق”.
وإذ أكدت أن “ليس في القانون ما ينصّ على أن تطلب محكمة التمييز تسليمها ملف التحقيقات للنظر في دعوى الارتياب، لأن هذه الدعوى لا علاقة لها بمضمون التحقيق بل هي متصلة باتهام القاضي المعني بالتحامل على المدعى عليهما”، أشارت المصادر القضائية إلى أنه ”حتى لو طلبت محكمة التمييز الملف، يبقى من حق المحقق العدلي، أي القاضي صوان في القضية الماثلة راهناً، عدم تزويدها بالملف بمعنى أنه غير ملزم قانوناً بالامتثال لهذا الطلب”.
وعن الخيارات المتاحة أمام محكمة التمييز في هذه الحال، نقلت المصادر أنّ هناك “اجتهادين” إزاء كيفية التعاطي مع رفض تسليم الملف، “الأول يقول بأنّ على المحكمة التمييزية أن تكتفي بجواب صوان لكي تبتّ بالدعوى، أما الرأي الآخر فيذهب إلى تأكيد وجوب تزويد المحكمة بملف القضية لكي تتمكن من البت بوجود الارتياب المشروع من عدمه، ربطاً بما يتضمنه من تحقيقات استند القاضي إليها لكي يسطر ادعاءه بحق مقدمي الدعوى ضده”.
ورداً على سؤال، لم تتوانَ المصادر عن تأكيد ممارسة “ضغوط سياسية كبيرة” في هذا الملف، لكنها ختمت بالتشديد على وجود “التفاف قضائي وقانوني صلب في المقابل، إلى جانب المحقق العدلي دعماً لاستقلالية القضاء والقضاة في ممارسة مهامهم بعيداً من أي اعتبارات سياسية وغير سياسية”